حبر على ورق

حاصدة الجوائز الصحفية التى اختطفها الموت

نوال مصطفى
نوال مصطفى

لم تكن «غادة محمد الشريف» الصحفية المليئة بالشغف والحماس والحب لمهنتنا العظيمة فحسب، بل كانت طاقة حب تشع على كل من حولها عطاء وجمالا وبهجة. علاقتى بها بدأت منذ سنوات قليلة، من خلال متابعة دقيقة واهتمام حقيقى من جانبها لمبادراتى الإنسانية، ورصد خطوات ومشروعات وأنشطة جمعية رعاية أطفال السجينات، تكتب بشغف وإيمان عما نقوم به من أجل تلك الفئة المنسية، أو التى كانت كذلك قبل أن يسلط الضوء عليها، ويعرف المجتمع الكثير عن قضاياهن ومآسيهن الإنسانية والخبايا المسكوت عنها وراء القضبان.
تعمقت علاقتى بغادة، التى رأيت فيها الأصيل والنفيس من الصفات، التفوق الصحفى، الجدعنة، الطيبة، النقاء، النفس الشفافة التى لا تحمل حقدًا ولا كرهًا ولا غلًا تجاه أى إنسان مهما آذاها أو آلمها. أصبحنا أصدقاء رغم اختلاف الأجيال التى ننتمى إليها، وصارت المناسبات واللقاءات والمكالمات الهاتفية التى تجمعنا مصدر سعادة وشحن إيجابى لطاقة حب متجددة لكلينا.
حدثتنى كثيرا عن خلفيات وكواليس مغامراتها الصحفية الصعبة، والتى فازت عنها بجوائز صحفية عربية ودولية عديدة. كانت تعتز جدًا بحصولها على جائزة محمد حسنين هيكل، وجائزة سمير قصير، وقبل رحيلها بشهر واحد هنأتها بحصولها على ثلاث جوائز دفعة واحدة هم: جائزة نقابة الصحفيين المصرية، وجائزة مصطفى وعلى أمين، وجائزة النادى الإعلامى الدولى التى لم تكن مالية بل دورة تدريبية فى الصحافة الاستقصائية فى الدنمارك، وكان موعدها فى الأسبوع الأخير من مارس الماضى لولا غزو كورونا للعالم وتوقف كل الأنشطة عالميًا.
قضت غادة ليلة كاملة على الرصيف متخفية كواحدة من المشردين الذين يفترشون الأرصفة، حاولت رصد تفاصيل الحياة التى يعيشونها، والقسوة التى تنتهك إنسانيتهم. هذه كانت آخر مغامراتها الصحفية، والتى حصلت عنها على جائزة مصطفى وعلى أمين الصحفية. قالت لى فى آخر مكالمة بيننا: أنا فرحانة أوى بجائزة مصطفى وعلى أمين، كان نفسى أخدها من زمان عشان دول اللى أسسوا الصحافة المصرية وفخر لى إنى أحمل جائزة باسميهما. بس أنا خايفة ما احضرش حفل توزيع الجوائز لأنى مسافرة الدنمارك آخر الشهر. يا رب تتعمل فى أبريل.
وجاء أبريل بمفاجآته الحزينة القاسية علينا جميعا نحن الأسرة الصحفية بشكل عام التى فقدت صحفية شابة تحمل أحلام الدنيا فى قلبها وروحها المحبة للحياة والبشر، وأكثر قسوة على الذين عرفوا غادة الشريف عن قرب، ولمسوا الجواهر الإنسانية الثمينة التى تختبئ تحت جلدها، وتظهر بوضوح وتجلى لأصدقائها المقربين، وزملائها ومصادرها الصحفية، وأهلها ومعارفها وهم كثر.
شاء القدر أن تجمعنا سفرة إلى لبنان قبل عامين من خلال مؤسسة وان إيفرا وبرنامجها المميز «نساء فى الأخبار». رغم أن الرحلة لم تستغرق سوى يومين إلا أنها كانت كفيلة باكتشاف المزيد عن معدن غادة الأصيل، ورغبتها فى أن تعطى من داخلها لمن تحبهم. تحدثنا طويلا عن أحلامها الصحفية، ورغبتها كذلك فى أن تجد الحب الحقيقى، وأن تبنى عشها الصغير مع الزوج والأولاد. لكنها روت لى حكاية أشبه بالأساطير أن سيدة ممن يقرأون الطالع أو الفنجان لا أتذكر تحديدا قد حملت نبوءة غريبة لأم غادة، ، يومها حاولت إبعاد هذه الخرافات عن ذهنها وقلت لها كذب المنجمون ولو صدقوا. والغريب أن أرى ما قالته لى غادة فى تلك الليلة يتحقق!
ستجدين الحب الحقيقى الذى عشت تبحثين عنه وتؤمنين به يا غادة.. ثقتى كبيرة أن الله سوف يستقبلك بفرح سماوى كبير يليق بك، وسوف تكونين أجمل عروسة تزفها الملائكة فى السماء. بردا وسلاما على روحك الطاهرة.