خارج النص

البعد الإسلامى فى السياسة المصرية

أسامة السعيد
أسامة السعيد

لم يأت اختيار القاهرة عاصمة للثقافة الإسلامية لعام ٢٠٢٠ من فراغ، فالقاهرة كانت على مدى آلاف السنين الحصن الأقوى فى تاريخ الإسلام، على صخرتها تحطمت أطماع الصليبيين والمغول، وكان جيشها سيفا ودرعا دفاعا عن الإسلام والمسلمين، كما كانت مؤسساتها العلمية وبخاصة الأزهر، وفقهاؤها وعلماؤها وحتى متصوفتها وشعراؤها القلب النابض للفكر والوجدان المسلم عبر العصور.
هكذا كانت القاهرة، وهكذا يجب أن تستمر، فالدائرة الإسلامية تمثل بعدًا لا يقل أهمية عن البعد العربى والأفريقى والمتوسطى فى السياسة المصرية، خاصة فى زمن يحاول فيه بعض المتاجرين خطف الدين واختطاف الحديث باسمه، وتوظيف شرع الله وأحكام الإسلام السمح فى لعبة سياسية، ولم يعد الأمر مقتصرا على تنظيمات مشبوهة وجماعات متطرفة، وقد رأينا مؤخرا محاولة مشبوهة من جانب بعض الدول تقودها تركيا للالتفاف على منظمة التعاون الإسلامى.
مصر ربما تكون الدولة الوحيدة القادرة على مد نشاطها وتحركها فى كل دوائر العمل الإسلامى، فهى لا تتبنى مذهبا طائفيا أو سياسيا يجعلها تدخل فى صدام مع دول إسلامية أخرى، بل إن تاريخها وسياستها كانا دوما فوق الطائفية، كما أن لمصر تاريخا وحاضرا مشرفا من التعاون مع مختلف الدول الإسلامية، حتى تلك التى لم ترع روابط الدين ولا التراث الشعبى المشترك وتآمرت ضد مصر، رفضت القاهرة الانزلاق وراء نوازع الشقاق، وحافظت على أواصر الاحترام والعقلانية حتى آخر مدى.
ولايزال وجدان المسلمين فى كل أنحاء العالم مرتبطا بشكل أو بآخر بمصر وإسهاماتها عبر السنين فى كل مجالات الدين فقها ودعوة.. حماية ودعما.. حجرا وبشرا، فمصر هى التى نقلت الإسلام للعالم عبر علمائها ومحدثيها، وحملت حناجر أبنائها من القرّاء الكبار آيات القرآن الكريم للعالم، فكان المصريون بحق أصوات السماء.. أتمنى أن يكون اختيار القاهرة عاصمة للثقافة الإسلامية، بداية جديدة لاستعادة الزخم الإسلامى فى السياسة المصرية، مثلما حققنا الكثير من الإنجازات فى استعادة مكانتنا الأفريقية، وتأثيرنا الإقليمي، فعودة العمالقة للساحة كفيل بهروب الأقزام.