بأقلام الأشقاء

هل تتفوق الآلات على البشر؟

د. طلال أبو غزالة
د. طلال أبو غزالة

د. طلال أبو غزالة

شهد هذا العام تطورَ الذكاء الاصطناعى بين العديد من الاستخدامات المستقلة فى الروبوتات والمركبات والطائرات بدون طيار والأجهزة الطبية والصناعية المختلفة. وهى تعمل جميعاً بدرجات متفاوتة من القدرة والتنسيق والذكاء. وتُظهر تباشيرُ العام المقبل تحقيقَ المزيد من التطورات للوصول إلى قدرات أعلى تقارب العقل البشرى فى عملية صنع القرار، والإدراك، أو التعلّم للأغراض العامة.
لدى كتابة هذه السطور، تحتدم منافسة ساخنة فى الولايات المتحدة وحول العالم مستخدمة قدرات مشتركة من الذكاء الاصطناعى لإنشاء آلات يمكنها حتى تعليم وتطوير أنفسها. هذا ما تنبأ به الرائد المستقبلى جيمس لوفلوك البالغ من العمر 100 عام فى كتابه الأخير «Novacene» أو «العصر الجديد»، راسماً تفاصيلَ التطور المقبل للإنسانية الذى يغذيه الذكاء الاصطناعى.
حسب رأى هذا الباحث، لقد بدأت بالفعل بوادر العصر الجديد مع جوجل «الفا زيرو» كنقطة انطلاق أولية. هذه الآلات قد تتفوق على البشر كنوعية حياة متطورة، كونُها الطفرة القادمة من الحياة الذكية على الأرض. ويحذر من أن البشر قد يتخلّون قريبا عن مكانتهم الرئيسة لإبداعاتهم الذكية المصطنعة. – وهو عصر جديد فى الواقع، يمكن ان يكسِفَ البشر إزاء هذه الآلات!
لقد أطلق على هؤلاء «المتفهّمين» المستقبليين تسمية «سايبرغ»، آلات العصر القادم التى تتولى تصميم وبناء أنفسها. ويؤكد انه فى هذا المشهد الجديد، لن يكون استبدال البشر بالضرورة تحولا قسرياً، بل بكل بساطة، تطور مرن وتدريجى.
هذه العملية مستمرة بالفعل عن طريق أنظمة الذكاء الاصطناعى المتقدمة والتى تم تطويرها مثل الفا/غو، والفا/زيرو وديب/مايند. هذه الأنظمة الذكية، والقادرة على تطوير ذاتها باستمرار، تشكل محوراً رئيسياً نحو الانتهاء من تكوين «المشهد/الجديد»، على حد قول لوفلوك.
ويعتقِد لوفلوك أن الخطوة الحاسمة التى كرّست العصر الجديد كانت الحاجة إلى استخدام أجهزه كومبيوتر تُصمم وتَبنى أنفسها، حيث يظهر نمط جديد من الحياة الذكية على الأرض من قِبل رائد سابقٍ ذكى صنعه واحدٌ منا، ربما من ما هو مثل الفا/ زيرو.
لقد تردد صدى هذه التوقعات خلال مقابلة تلفزيونية أُجريت مؤخرا صرّح خلالها ايلون مَسك، مؤسس شركتى تسلا للسيارات الكهربائية وسبيس/اكس، بأن أجهزة الكمبيوتر أصبحت على قدر من الذكاء بحيث لن يمضى وقت طويل لتتجاوز الذكاء البشرى نفسه.
خلال مؤتمر حول الذكاء الاصطناعى العالمى فى شنغهاى، قال مَسك لجاك ما، رئيس مجلس إدارة شركة «على بابا» للتجارة الرقمية، إنه «يضمن ان أجهزة الكومبيوتر سوف تتجاوز البشر ذكاءً فى نهاية المطاف وعلى مختلف الصُعُد». « وأضاف: «أول شىء يجب ان نفترضه هو اننا أناس أغبياء، عندما نتوصل إلى تطوير الأشياء لتصبح أكثر ذكاء من أنفسنا». وأكد يقول: «سجّلوا كلماتى هذه: سيكون الذكاء الاصطناعى أخطر بكثير من الأسلحة النووية. فلماذا لا نزال نفتقر لأية رقابة تنظيمية تشمله؟» ومع كل مخاوفه من هذه التكنولوجيا القادمة، فإنها لا تزال موضع اهتمام كبير بالنسبة له. ففى سنة 2015، وخلال حشد من عباقرة هذه التقنيات، تبرّع ببليون دولار لأبحاث مجموعة «OpenAI»، لتمكينها من المضى قُدماً فى هذا الذكاء الرقمى لصالح البشرية جمعاء.
هذه المجموعة نفسها، هى التى تعمل بالفعل على خطة دؤوبة لمساعدة من يعانون من الشلل، بهدف مساعدتهم على القيام بأى حِراك إرادي، بمجرد التفكير فى مثل هذا الحِراك.
إلى جانب ذلك، يخطط مَسك لإطلاق شبكه أقمار صناعية ضخمة تكلف حوالى عشر مليارات دولار لتغطى الكرة الأرضية بشبكة إنترنت سهلة ومتاحة. وقد طلب الإذن فعلاً من الحكومة الأمريكية للحصول على شبكة أقمار صناعية ضخمة تناهز الـ 5000 لتأمين تغطية سريعة وعالمية. وقد صَمم هذا النظام، الذى يُطلق عليه اسم «SpaceX» لتقديم خدمات الإنترنت الرخيصة إلى اى كائن على سطح الكوكب مع نطاق ترددى غير مسبوق، بدلا من جميع الكابلات والألياف البصرية وأنظمة الإنترنت الأرضية الأخرى المتاحة حالياً.
وليست هذه بأى حال هى نهاية الطريق للعجائب التكنولوجية فى هذا العصر. «ديب مايند» أو «الفكر المعمّق» على سبيل المثال، التى تأسست فى لندن سنة 2010 ويجرى تطويرها الآن فى كندا وكاليفورنيا، تهدف إلى دفع حدود الذكاء الاصطناعى إلى ابعاد أخرى. ويمكننا الآن تصور آلة يمكنها حل اية مشكلة معقده دون الحاجة إلى مساعدة عملية، أو واحدة يمكنها تصحيح أو تجديد نفسها. وعندما يؤتى هذا المسعى ثماره الواقعية، سيكون أحد أهم التطورات العلمية التى ابتُكرت على الإطلاق وأكثرها فائدة. العديد من اللدائن هى الآن مشتقات وتطبيقات «ديب مايند» بما فى ذلك ألعاب التسلية الأكثر تعقيداً وبديهية من اى وقت مضي. هذا هو غيض من فيض عندما يتعلق الأمر بالذكاء الاصطناعى، والأبواب المستقبلية لا تنفك مُشرَعة أمام روّادها.