إنها مصر

أين هم «الناس الطيبين»؟

كرم جبر
كرم جبر

أريد أن أعرف لماذا يقتل الولد أمه، ولماذا تخنق الأم وليدها وترميه فى صندوق زبالة، ولماذا أقدم فتوة عين شمس على تشويه حبيبته بماء النار، ومزق وجهها بالموسى، ولماذا تبلغ نسبة الطلاق 80% بين الشباب المتزوجين حديثاً، ولماذا وأنا أراقب المشهد، أجد البنات يسرن فى الشوارع «فراعنة» والشباب «منكسرين» ؟، ولماذا يقتحم ثلاثة بلطجية شقة سيدة الرابعة فجراً ويتناوبون اغتصابها ويهددون بقتل طفلها المعوَّق؟.
نحتاج من يغوص فى أعماق المجتمع، فيكتشف أسباب الظواهر الشاذة التى تطفو على السطح، وصولاً إلى تشخيص علمى سليم، يفك ألغاز الجرائم الغريبة والتصرفات والسلوكيات التى تخرج عن السياق الطبيعى للأمور.
زمان كان عندنا المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، «الطبيب» الذى يشخص الأمراض الاجتماعية، ويكتب لها روشتة العلاج.. ولا أعلم الآن إذا كان يقوم بذلك ولا يهتم به الإعلام، أم أغلق عيادته؟
هذه ليست مصر ولا شعبها، وإنما نفايات تطفو فوق السطح، ولابد من التخلص منها أولاً بأول.
>>>
على مدى سنوات طويلة، تم تجريف المصريين من حلم أن يمتلكوا شيئاً من وطنهم.. التعليم والصحة والإسكان والخدمات والمرافق والمجاري، وأسوأ من كل ذلك التكدس السكانى والازدحام، فى المواصلات والشوارع والبيوت وغرف النوم، فى كل مكان صار البشر يسابقون التوك توك، فأصبحنا نتزاحم على مكان فى الأتوبيس والمقهى وأمام الأفران والمجمعات الاستهلاكية.. ولا ينتج الزحام إلا ثقافة «اخطف واجري».
وزاد الطين بلة بعد الفيس بوك والسوشيال ميديا، وأشبهها بالمخدرات التى تعزل المتعاطى عن الواقع، فيخلق لنفسه عالماً افتراضياً يعيش فيه، ولجأ الشباب إلى هذه التكنولوجيا هروباً من البطالة والكسل والفلس والاحتياج، فعن طريق الفيس بوك يستطيع أن يصاحب المسئول والفنان والمشاهير، ويتخاطب معهم، ويتعرف على ألف فتاة ويجلس فى أحسن الأماكن، دون أن يدرك أن ذلك يشبه المدن الفاضلة للحشاشين.
>>>
امتدت يد الأشرار مستخدمة سلاح «فيس بوك» ضد الدول المستهدف إسقاطها، بتوظيف شبابها وتعبئتهم وحشدهم، وظلت روافد الانهيار تتجمع فى نهر واحد بعد 25 يناير، وانفجرت «مواسير الطفح الأخلاقي» لتصيب كل شيء فى المجتمع، فشاهدنا شباباً يحرقون بلدهم، ومن يحرق بلده يهون عليه أى شيء، أن يقتل ويسرق ويغتصب وينتهك ويكذب، إنها النار التى أشعلها البعض ونكتوى بها.
>>>
نادراً ما تقابل مصرياً، إلا ويشكو لك سوء أخلاق الناس، وأننا تغيرنا كشعب ولم نعد المصريين «بتوع» زمان، وإذا كنا كلنا نشكو من «الوحشين» فأين هم الناس الطيبين؟.. ولماذا اختفوا وتركوا الساحة للأوباش؟، ولماذا حدث التدهور الأخلاقى الذى وصل إلى حد «الطفح»؟ وهل هناك أمل أن يسترد الناس أخلاقهم، ويعود المصرى «بتاع» زمان؟