شىء من الأمل

فيروس يتحدى ترامب !

عبدالقادر شهيب
عبدالقادر شهيب

ليست المحاكمة التى تجرى الآن له بغرض عزله هى التى تؤرق الرئيس الامريكى ترامب وتمثل تحديا جادا له.. فهذه المحاكمة، كما خطط ترامب سوف تنتهى فى غضون ايام قليلة، وسوف يخرج منها أقوى مما كان قبلها ليتفرغ لحملته الانتخابية.. إنما الذى يمثل الآن تحديا لترامب وأفكاره هو ذلك الفيروس الجديد الذى ظهر فى إحدى المدن الصينية وانتشر فيها وأصاب نحو ألفى صينى ويتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى أكثر من ثلاثة آلاف فى غضون أيام قليلة، وأدى إلى وفاة نحو ستين مصابا به داخل الصين، ثم انتقل سريعا إلى نحو أربع عشرة دولة من بينها أمريكا ذاتها.. انه فيروس كورونا الجديد، الذى يعد الفيروس السابع فى عائلة كورونا !

ولا يعد هذا الفيروس الجديد تحديا لترامب لأنه انتقل إلى بلاده من الصين، فحتى الآن الإصابات التى ظهرت به فى أمريكا محدودة، بل إنه رغم انتشار هذا الفيروس فى نحو أربع عشرة دولة فإنه فضلا عن أن الصين أعلنت مؤخرا انها قد نجحت فى التوصل إلى علاج له، وأعلنت أيضا أنها توصلت إلى مصل ناجع لمقاومته، لكن رغم ذلك كله، فإن هذا الفيروس يمثل تحديا حقيقيا لترامب.. أو تحديا لأفكاره ورؤاه للعالم الذى نعيش فيه، والتى اختلفت بشكل جذرى عن رؤى من سبقوه فى البيت الأبيض وفى إدارة امريكا فى العقود الثلاثة الماضية.. فقد تبنى هؤلاء قبل ترامب فكرة العولمة، وهى الفكرة التى ترى العالم قرية كونية واحدة تتضاءل فيها فكرة الدول الوطنية، ولذلك سعوا إلى فرض القيم الأمريكية ونمط الحياة الأمريكية على أرجائها المختلفة ليضمنوا فرض النفوذ الأمريكى عليها.. وفى سبيل ذلك استخدم هؤلاء كل ما فى حوزتهم من أسلحة سياسية واقتصادية وثقافية وأيضاً عسكرية..لبسط النفوذ الأمريكى على العالم مستغلين وضعا عالميا صارت فيه الولايات المتحدة الأمريكية هى القوة العظمى الوحيدة فى العالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتى الذى كان يشاطرها كقوة عظمى عالمية ثانية..


غير أن ترامب دخل البيت الأبيض بعد أن طرأ الكثير من التغير على أحوال عالمنا.. حيث كانت الصين قد حققت صعودا اقتصاديا هائلا أهّلها لأن تتطلع لأن تحتل فى المدى المنظور المركز الاقتصادى الأول فى العالم بدلا من الولايات المتحدة الأمريكية.. وحيث خرجت روسيا من صدمة انهيار الاتحاد السوفيتى لتقوى نفسها وتتوسع استراتيجيا فى العالم.. وقبل ذلك حيث حصدت امريكا الكثير من الخسائر فى الساحة العالمية بسبب مغامراتها العسكرية الخارجية، خاصة فى أفغانستان والعراق، تركت ظلالها السلبية على مكانتها الدولية.. ولذلك فكر ترامب أن ينتهج نهجا انعزاليا على مستوى العالم، تحت شعار امريكا أولا.. أى أن يركز جل جهده على انتشال أمريكا كما يقول من أزماتها الاقتصادية، وألا يهتم بمشاكل وأزمات العالم، وأن يحصل على مقابل نقدى مناسب وكبير مقابل أى عمل تقوم به أمريكا عالميا.. وهكذا سعىى لطرد المهاجرين لأمريكا، وبناء جدار عازل مع المكسيك، وانسحب من اتفاقية المناخ، وانسحب أيضا من اتفاقية الحد من الصواريخ المتوسطة مع روسيا، وطالب الأوروبيين بتحمل أعباء أكثر فى حلف الناتو لحماية أمنهم، وتمادى فى استخدام العقوبات الاقتصادية مع المنافسين لأمريكا ومع حلفائها الأوروبيين،


ولكن هاهو فيروس كورونا عندما داهم الصين لم يهددها وحدها، ومثّل خطرا على العالم كله ليذكرنا مجددا بأن العالم قرية كونية صغيرة، مثلما لا يمكن وضع حواجز فيها امام انتقال وتدفق السلع والبشر بل والأخبار والأفكار فى أنحائها، لا يمكن ايضا منع انتشار الفيروسات والأمراض داخلها.. فهل يراجع ترامب فكره ويعدل من مواقفه ؟.. اغلب الظن ان كل ما سوف يشغله هو السعى فقط للحصول على علاج ومصل فيروس كورونا من الصين بأقل ثمن وَيَاحبذا مجانا !

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي