عاجل

تساؤلات

غاب فى لحظة حنين

أحمد عباس
أحمد عباس

ومن علامات الحنين يا صديقى أن تكون متعباً.. متعبا جدا، فتسرح، أو تغيب وأنت حي، فيكون وجه أحدهم أول زائريك، فتذكر علامات شخص ما، أو ملامح وجه أليف قريب، أو نبرات صوت كانت لك الدنيا وما فيها، وليس أكثر يا صديقى من أنين يتفجر وقتها ذلك اذا كان الحنين لراحل، أو غائب على قيد الحياة..
ومن خطوط وجهك يا صديقى يتضح الحنين فيشرق بلا انطفاء ويضيء بلا توقف، ويضحك بلا سبب، ويبكى بلا داع. كذلك يتغير نبضك، وتزيد أنفاسك، فتعلو، وتعلو، ثم تعلو، لتعود مرة أخرى فى تنهيدة واحدة.. تسترد حينها وَعيك كله، وتكون قد فقدت جزءا منك، غاب فى لحظة حنين.
والحنين يا صديقى هو نزيف بائن، يبدو دائما، فلا ينفعه تجاهل، ولا يفيده التعامي، وكل تهاون عنه هو إمعان فى السير عكس مسارات الأمور. أما كيف يبدو.. فالحنين يا صديقى تركيبة عنيدة، متمردة، عصية على كل من اختارته. خلطة مُحكمة من كل شىء مَر، ذكرى مُرهقة، أو ضحكة صافية، أو صرخة خلعت ضلوع صدرك، فمزقتها، أو شهقة موجعة نفخت  شرايين قلبك ذات مرة، المهم أنه يختار دائما لحظات فارقة، أو مشاعر صادقة يمزجها جيدًا، ليبدأ معركته معك.
والحنين يا صديقى ذكي.. يعرف متى يحل، وأين يضرب، وأى موضع يكون أشد إيلاما. وإن شئت التخطى فلا تستنزف نفسك فى التغافل عنه، حينها سيتملكك، ويضربك فى مقتل، ويؤلمك أكثر، وأكثر، بل وأكثر!.. فالحنين يا صديقى معركة ضارية، خسر كل من جادلها، أو تجاسر عليها،  أو حتى تجرأ وتكبر على قوتها.
أما كيف تهزمه.. فلا شيء يا صديقى أكثر من أن تعيشه بشجاعة، وتمتثل ببسالة، وأن تحياه بقوة، وتصطدم به بإقدام.. فتخترقه، وتتجاوزه، ثم تخرج سليما، معافي، كذلك تكون أنت من قهرته، وأجهضت وسائله، وسبله، حتى ولو فعل بك ما فعل!
وتذكر يا صديقى أن هذه المعركة أزلية، ستبقى مادمت حيا، ولكن نصيحة.. اختزل حربها لهؤلاء الذين يستحقون حنينك، وأنينك، ولين قلبك، أما الذين ماتوا بيننا وهم على قيد الحياة، فلا حنين لهم، ولا أنين يتبعه ألم، ولا معارك يجب أن تستهلك حنينك.
وللحنين أدوات مُسخرة، فالذاكرة يا صديقى مضنية، محظوظ انت ان كنت من ضعافها، أو من هؤلاء الذين يفقدون لذة الأماكن بزوالها، أو مرارة الأشياء باختفائها.. حاول أن تطوعها، فلا تتعلق برائحة، ولا ترتبط بمكان، ولا تعشق وجها، ولا تعتد شيئا، ولا تهتم بتفاصيل الأمور، فتلك يا صديقى أبواب يداهمك منها الحنين فيجتاحك، ويكتسح كل أفكارك، وأشعارك، ويحرق دفاترك، ويغرق أنفاسك، وصدقني..لا قشة واحدة ستنقذك.
وأنا يا صديقى ان سألتني.. فأنا أفضل الرحيل مبكرا، بانتصارات صغيرة، على أن أدوم طويلا بانكسارات كبيرة، فلا أحمل خزائن لذاكرة تتعلق، ولا تفاصيل أعقد تستدعى الحنين. لا وجوه تحل عليك، ولا أفكار تناوشك. لا أشخاص تناورك، ولا أعباء تزيد عليك أحمال الطريق.. الطريق يا صديقى مريرة، والحنين يا عزيزى قاتل.. وتلك من علامات الحنين.