بأقلام الأشقاء

الأزمة ..نقمة على الصغار ونعمة للكبار

عبدالله البقالى
عبدالله البقالى

عبدالله البقالى

تواترت الأخبار السلبية المتعلقة بالأوضاع الاقتصادية العالمية طيلة السنة الماضية التى لفظت أنفاسها الأخيرة قبل أيام قليلة، وتقدمت هذه الأخبار اهتمامات وسائل الإعلام العالمية، وأشرت جميعها على أن الأوضاع الاقتصادية العالمية اجتازت سنة 2019 إحدى أصعب سنواتها العلاف، وتنبأت أوساط مالية كثيرة بخطر وقوع أزمة مالية عالمية على غرار ما حدث سنة 2008. وروجت وسائل الإعلام العالمية للحروب التجارية والاقتصادية التى زاد لهيبها بين الدول والمجموعات الإقليمية خصوصًا الحرب التجارية المستعرة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية والتداعيات المرتقبة لورطة مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبى (البريكسيت) وحروب العقوبات الاقتصادية التى أوقدتها الولايات المتحدة ضد بعض الدول من روسيا الاتحادية إلى إيران وفنزويلا وغيرها.و بدا للعيان وبوضوح أن الأوضاع الاقتصادية لم تكن على أحسن حال، بل حتى فى حالتها الطبيعية، خلال السنة الفارطة، وأن جميع المؤشرات الاقتصادية المرتبطة بهذه الأوضاع كانت متدنية من معدلات نمو ونسب إدخار والبطالة والاستثمار وغير ذلك كثير. فى ظل هذه المعطيات السلبية تكشف وكالة بلومبرغ الأمريكية المتخصصة فى إنجاز التقارير والدراسات المالية والاقتصادية على أن أسواق البورصات العالمية أنهت سنة 2019 فى أحسن أحوالها وحققت مؤشراتها أعلى ارتفاعاتها وبلغت فى ذلك مستويات قياسية، وتضيف هذه الوكالة بأن مؤشرات البورصات العالمية أنهت سنة 2018 فى المنطقة الحمراء بسبب الخسائر الفادحة التى تكبدتها، بيد أنها أنهت سنة 2019 فى المنطقة الخضراء الآمنة.
و هكذا تؤكد أوساط مالية أخرى أن مؤشرات البورصات فى العديد من الدول الأوربية، فى فرنسا وألمانيا وبريطانيا واليونان، والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وأوكرانيا والصين واليابان وفى غيرها من مناطق العالم حققت ارتفاعات مذهلة فى نهاية السنة الفارطة.
حققت أسواق البورصات العالمية هذه المكاسب المالية الضخمة فى ظروف وأجواء لم تكن مناسبة ولا مشجعة، وفى هذا الإطار يذكر خبراء ماليون متخصصون أن سنة 2019 انطلقت بمحيط اقتصادى ومالى يغلب عليه القلق، وساد فيها تباطؤ كبير فى فوائد الشركات، وانخفضت فيها التدفقات الاقتصادية مما أجبر البنوك المركزية على وضع أقنعة أوكسجين للأسواق المالية العالمية، وأن الشكوك حول الركود الاقتصادى وحجم المخاوف السياسية كانت عوامل قوية زادت من حجم خطورة ما كانت تعيشه الأسواق المالية العالمية، بينما يرى آخرون أن الأوضاع الماكرو اقتصادية فى العالم وأحوال المقاولات غير كافية لتبرير ما حدث ولا تفسر حجم الارتفاعات التى حصلت فى أسواق البورصات العالمية.
إلا أن الذى حدث رغم سيادة كل تلك العوامل والأسباب أن البورصات العالمية سجلت مستويات عالية من الارتفاعات، بما يفيد أن الشركات الاقتصادية والتجارية المسجلة فى هذه البورصات حققت أرباحًا مالية طائلة، فى ظل ما كان يتم التسويق له من أن الأوضاع الاقتصادية العالمية كانت تعيش أزمة خانقة اتسمت بتراجع وانخفاض فى الغالبية الساحقة من المؤشرات الماكرواقتصادية العالمية وبتضخم المخاوف السياسية جراء الأزمات المثيرة والمتعددة، التى اندلعت بين الأقطار والمجموعات واحتدام الحروب المسلحة فى العديد من أقطار العالم والتى أزهقت لحد الآن ملايين أرواح المدنيين، ولعل هذا التباين بين الأسباب والنتائج يطرح إشكالية القدرة الفائقة للشركات الضخمة والعملاقة على تحقيق الأرباح فى ظل سيادة عوامل الأزمة. إذ من الضرورى التأكيد بهذه المناسبة أن الأزمة التى لازمت الاقتصاد العالمى طوال السنة الفانية 2019، كما روجت لذلك وسائل الإعلام العالمية، وكما فسرت ذلك مختلف مظاهر التخلف والفقر والعوز التى عانت منها العديد من أقطار المعمور طوال السنة الماضية، كان من المفروض أن تطال مختلف الأطراف والفئات والدول والمجموعات والمؤسسات المالية العالمية والأوساط الاقتصادية فى مختلف أرجاء المعمور، لأن الأزمة واحدة ولابد أن تتطاير شرارتها لتنال من الجميع، لكن الذى حدث أن الأزمة كانت فعلا شاملة لكن تداعياتها وتأثيراتها كانت محدودة ولهيبها اقتصر على مساحات معينة ولم تسعفها الرياح فى الانتشار الشامل، بحيث انحصرت الأزمة على شعوب الدول الفقيرة المغلوبة على أمرها، واقتصرت على حكومات الدول التى لم تجد بدًا من مواصلة الاستدانة من الخارج لإسعاف اقتصادياتها المريضة، فى حين تمكنت الشركات التجارية والمالية والاقتصادية العالمية من تحقيق مستويات غير مسبوقة، كما يؤشر على ذلك الارتفاع المهول فى مؤشرات البورصات العالمية، وهذا ما قد يساعدنا على فهم واستيعاب المتناقضات التى يتصف بها النظام الاقتصادى العالمي، حيث بنجح الكبار فى فرض أوضاع أزمة ويضمنون انتشارها، ولكنها أزمة مدروسة طبق أجندات مالية واقتصادية معينة تجعل من الأزمة نقمة على الصغار، وتحولها إلى نعمة للكبار.
 < نقيب الصحافيين المغاربة