سلامًا على الإيدٍ الشغالة.. صعيديات في مهمة عمل شاقة 

 المرأة الصعيدية
المرأة الصعيدية

 

لا تزال المرأة الصعيدية حاضرة بقوة في مشاهد البطولة والتميز، برغم طبيعتها الأنثوية وضعف بنيتها الجسدية، تشهد بذلك قصص نجاحاتها المتعددة في دروب الحياة الوعرة، خدمة لأهلها ووطنها، منذ فجر التاريخ وحتى كتابة هذه السطور.

في الصعيد، قاسمت المرأة الرجل، رعايته للأسرة وتربية الأولاد، بل وصل الأمر لحد قيامها وحدها بدور الأب والأم، وهي تحمل على عاتقها مهمة كسب الرزق الحلال، فكانت مضرب الأمثال في الرفعة والمجد، وهي تنحي أنوثتها جانبًا وتقف بعزم الرجال، في وجه الصعاب.

"صيصة أبو دوح" واحدة من سيدات المجتمع الصعيدي، تنكرت فى ملابس الرجال منذ ما يزيد على الـ 40 عاما بعد وفاة زوجها، وشقت طريقها بأعمال لاتناسب السيدات، بغرض كسب الرزق وتربية ابنتها الوحيدة، حفاظا على سمعتها من نظرات المتطفلين.

ومرت الأيام سريعة وشاقة، حتى اعتادت أبودوح، ملبس الرجال، معتبرة الملبس النسائي خانقًا لها، فهي المرأة التي عملت ماسحة للأحذية، مؤمنة بأن  "الست الأصيلة لا تتزوج بعد موت زوجها" ، فعملت قبل ذلك في بيع ترمس حتى تربي أبناءها، وتكون أكثر من رجل بين الرجال.


وفى مدينة الطود جنوب محافظة الأقصر، ضربت  "أم صابر " البالغة من العمر 67 سنة، مثلًا آخر في الثبات في وجه الظروف، وهي التي رزقها المولى عز وجل بـ 4 أبناء، أكبرهم لديه 30 سنة والأصغر 16 سنة، فقررت التغلب على مشاق وظروف المعيشة الصعبة، بتصنيع «المقارص» من الورق التى تشتهر فى الصعيد.

كانت أم صابر تسهر الليل الطويل في صناعة حوامل الخبز الشمسي الورقية، وتبيعها للسيدات بـ ٢ جنية للقطعة، جامعة مكوناتها من الكتب والورق من أولادها وأولاد الجيران بعد انتهاء دراستهم لتصنع تلك المقارص.


وتأتي بائعة أسطوانات البوتاجاز بمحافظة الأقصر في مقدمة سيدات مجتمعها اللائي حققن نماذج مشرفة من الكفاح والنجاح، تقول أم عبد الرحمن أن « شيل الأنابيب أحلي من مر الذل » إذ تشير الى قصة كفاحها التي بدأتها منذ 12 عامًا، عندما أن تكون أول سيدة تعمل في بيع أسطوانات البوتاجار بالمحافظة بعد انفصالها عن زوجها..


تروي « أم عبد الرحمن » أنها تبلغ من العمر 56 عامًا، ولم تتلقى تعليمًا قط، ولديها 4 أبناء 2 ذكور و2 إناث، لافتة أنها  تعيش بقرية المساوية بمركز ومدينة إسنا في الأقصر، بعد انفصالها عن زوجها قبل 12 عام، وعقب الأنفصال كان هناك بعض المحاولات من زوجي السابق لتعكير صفو حياتي وحياة أطفالي، فكان يمنع عنا نفقات والمصروفات الشهرية، فقررت العمل، وأقمت مشروعًا صغيرًا لبيع المواد الغذائية، ولكن العائد منه كان بسيطًا للغاية، ولهذا كان يتوجب علي البحث عن مصدر أخر للرزق..


وتابعت خطرت لي فكرة بيع الأنابيب، وبالرغم من ان العادات والتقاليد في مجتمعات الصعيد تضيق الخناق علي السيدات ، إلا أنني وجدت في نفسي القدر الكافي من الشجاعة حتي أقوم بهذا العمل الشاق، فتوجهت إلي أحد مستودعات الأنابيب بقرية النمسا وطلبت الحصول علي حصة من الأنابيب، في بداية الأمر وجدت هناك رفضَا بسيطًا يتبعه إشفاق علي، إلا أن مسئولي المستودع وافقوا في نهاية الأمر علي طلبي، وشجعوني أيضًا.


وأضافت في بداية عملي كبائعة أنابيب لم اكن أملك عربة لحمل الأنابيب وتوزيعها، فكنت أستغير عربية خشبية صغيرة من جيراني، وبسبب إنني لم أكن أملك حمارًا كنت أقوم بجر العربة، وأسيرة بها بين الشوارع ودروب قرتي، وهنا كانت معاناة حقيقة فالطرق غير ممهدة، وكلما زاد عدد أسطوانات بالوتاجاز كان الحّمل يزيد، إلا أنني تحليت بالصبر، وشجعت نفسي علي الأستمرار، وهنا وجدت العديد من ردود الفعل، فهناك من يريد المساعدة من خلال إعارتي حمار، وأخرين غضبوا من عملي، وكأنني أقوم بجريمة، إلا إنه كان يتوجب علي تجاهل ذلك الغضب حتي أكمل مسيرتي في الحياة، وأنفق علي أطفالي.


وأوضحت أن الرحلة كانت شاقة، والعناء فيها كان ليس بالقليل، إلا أن كل هذا كان هينًا عليّ فإنني لن أتحمل أن يهين أحد أبنائي، وأن يكونوا محلًا شفقة لأحد، وبفضل الله أستطعت أن أؤدي مهمتي في الحياة، فلقد أصبح لدي أبناء أفتخر بهم، فجميعهم حصلوا علي التعليم، ونجحت في تجهيز أبنتاي وتزوجيهن، أما أولادي فإنهم يساعدونني في عملي، وبيع الانابيب.

"ظريفة محمد جيلاني" صاحبة الـ57 عامًا والتى تعيش فى قرية الحلة بمركز إسنا جنوب محافظة الأقصر، داخل منزل متهالك لا يصلح للعيش الآدمى، لكنها لم تنحنِ أمام الفقر وظروف المعيشة القاسية، وبدأت العمل فى صناعة الأقفاص بالأجر منذ 26 عامًا، لتكسب قوت يومها وتنفق على أطفالها الأربعة، وتمثل كفاح «ظريفة» فى علاج زوجها وتربية أطفالهما حيث تزوجت فى سن مبكرة كمثيلاتها من بنات الصعيد بسن الـ21 عامًا، ورزقت بـ4 أطفال «بنتين وولدين»، وبعدها أصيب رب الأسرة بعد 8 سنوات من الزواج بفشل كلوي وتليف كبدي، حيث بدأت رحلة طويلة ومريرة مع المرض ومعها بدأت رحلة الكفاح بالعمل في أكثر من مهنة شاقة، وآخرها صناعة الأقفاص من سعف وجريد النخيل، للمساهمة في علاج الزوج وتربية الأطفال بعد أن تخلى عنها الجميع، ولم يمر عامان من مرض الزوج، حتى وافته المنية، وترك لها إرثا ثقيلًا من المسئولية تجاه الأطفال الأربعة، الذين عملت على تربيتهم داخل مسكن متهالك لا يصلح للاستخدام الآدمى، ليس به سقف أو دورة مياه، أو أثاث أو أجهزة، حيث تضع أدوات مطبخها في ثلاجة معطلة.

ورغم امتلاك ظريفة مهنة حرفية فإنها طوال هذه السنوات لم تستطع أن تمتلك مشروعًا خاص بها في هذا المجال يدر عليها دخلًا، حيث تعمل لصالح تجار آخرين، بداية من السابعة صباحًا حتى حلول ظلام الليل، لتتقاضى أجرًا ضئيلًا على ذلك بقناعة ورضا تام.

"عبلة الطاهر"، ذات الـ43 عامًا التي لفظتها حلاوة الدنيا وعذوبتها إلى مرارة العيش مجبرة إياها على العمل في مهن صعبة؛ من مهمة إلى أخرى ليستقر بها الحال مقاول أنفار، يحضر العمال إلى الأراضي لحصاد المحاصيل «طماطم، عنب، بلح» وغيرها من المحاصيل لتسد به جوع ولديها التوءم بعد أن رزقها الله بهما،