شجون جامعية

«المعيدون».. لماذا ؟!

أحمد عفيفى
أحمد عفيفى

القاصى والدانى يتأفف كثيراً من تردى الأوضاع الجامعية. وعندما يأتى «المجلس الأعلى للجامعات» ويلقى «حجراً» فى المياه الراكدة ويضخ «دماء جديداً» فى المنظومة الجامعية تعلو الأصوات «إياها» بالويل والثبور وعظائم الأمور. اتهامات «معلبة» تنطلق فى كل المناسبات بغرض تقييد الحركة للأمام وتعطيل عجلة القفز لمقدمة الصفوف، دون وعى بأننا فى «2019 عام التعليم فى مصر».
لقد أحسن «المجلس» صنعاً وهو يعلن أنه بصدد مناقشة نظام تعيين «المعيدين» الحالى القائم على «التكليف» واستبداله «بالتعاقد» إيذاناً بفتح حوار مجتمعى حول هذا الموضوع ومواكبة لمناقشات يجريها مجلس النواب حول «قانون تنظيم الجامعات» الجديد. لقد تعاملنا مع تلك الإشارات وكأنها قرارات تم اتخاذها.
وإذا نظرنا إلى الأمر بكل حيدة وواقعية سنجد أن نظام «التكليف» قد أفرز كوادر من أعضاء هيئة التدريس على مدار سنوات متعاقبة - إلا القليل منهم - لا يؤمنون أن مهنتهم «رسالة» نبيلة وليست «وظيفة» مجردة تنتظر راتبها الشهرى مثلها مثل غيرها... وبات من «يعمل» كمن «لا يعمل» ومن «يحضر» كمن «لا يحضر»، ومن ثم تراجعت الجامعات عن فتح آفاق شئون التعليم والبحث العلمى أمام العالم.
هل نظام «التعاقد» يشكل «صدمة» و»فزاعة» لمن يريد أن يلتحق معيداً بالجامعة ؟؟!! بالطبع لا.. لأن من تتوافر فيهم الشروط هم النخبة والصفوة الذين يتصدرون دفعات الخريجين «كأوائل» اعتماداً على المعيار «الأوحد» وهو التفوق الدراسى والتميز فى التحصيل العلمى دونما مقومات أخرى لازمة وضرورية لتولى هذه «الرسالة» ذات «البرستيج» الرفيع والمرتب الضئيل!! لقد أُثبت «المتفوق» أنه حصل على «شهادة» بامتياز ومرتبة شرف.. فهل حصل على «تعليم».. الإجابة معروفة؟!!. ومن أهم متطلبات تلك الدرجة الأساسية فى السلم الجامعى أن يحظى «المعيد» بالرؤية والقدرة على إدماج البحث العلمى والممارسات والأنشطة العلمية فى التعليم وخدمة المجتمع والنهوض بالأمة. فهل من يمتلك «التفوق» يخشى التنافس فى مضمار «التعاقد» وصولاً للأفضل؟؟..
المؤكد أن «التعاقد» - حال تحققه - سيقترح نظاماً مالياً مجزياً ومغايراً عما هو مطبق حالياً (الذى لا يسمن ولا يغنى من جوع) فى نظير توصيف وظيفى رصين بمهام محددة وجدول زمنى واضح ومؤشرات أداء دقيقة وآليات تطوير مستمرة ومعدلات إنجاز حقيقية مع أساليب متابعة شفافة وقواعد محاسبة قانونية.
لا معنى إطلاقاً لتلك الهواجس والتخوفات التى تتملك المجتمع الأكاديمى وغيره بأن النية مبيتة للتخلص من الكفاءات التدريسية والبحثية التى تزدان بها الجامعات الحكومية وغيرها والتى تعد بمثابة ثروة قومية ورأس حربة ناعمة فى تحقيق التقدم والنمو. ولنتفق جميعاً أن الخلل الواقع فى الحقل الجامعى مرده إلى غياب القواعد المتقنة لبناء القدرات ورفع المستويات وزيادة الكفاءات وصقل المهارات تمهيداً لأرض النجاح فى الولوج إلى عالم التنافسية العالمية بشراسته اللامحدودة.. والبداية من «القاعدة» فإن صلحت.. صلح الجسد (الهرم) كله وإن فسدت فالمستقبل هو الثمن!!!.. دعونا نخلع عن الجامعات أثواباً لا تشبهها بكثير من «الجدية» وقليل من «الوطنية».
< كلية العلوم - جامعة القاهرة