«المضروب يكسب».. النسخ المزيفة تدمر سوق النشر وحقوق المؤلف «ضائعة» 

النسخ المزيفة تدمر سوق النشر وحقوق المؤلف «ضائعة» 
النسخ المزيفة تدمر سوق النشر وحقوق المؤلف «ضائعة» 


الناشرون: خراب بيوت.. والتجار حولوا الطباعة لصناعة قائمة على التزوير
الباعة: «الماسح الضوئى» كلمة السر والروايات المشهورة الأكثر طلباً

ساعات من العمل المتواصل يقضيها ذلك المؤلف في محاولة الوصول إلى كلمات ينثرها على الورقات مكونة إحدى الروايات أو الكتب الشيقة، تليها أيام طويلة ربما تصل إلى شهور فى محاولة الوصول لدار نشر تتولى أمر طباعة وترويج عمله الأدبي.

وفى المقابل يجنى ثمار ساعات عمله المضنية بنسبة من الربح، لكن خلال الفترة الماضية اختلفت هذه المعادلة كثيرا، فأصبح سوق النشر في مصر مجازفة كبيرة للمؤلفين والكُتاب، وانتشار النسخ غير الأصلية من مؤلفاتهم وبيعها بأسعار زهيدة للجمهور، كان بمثابة «ضربة فى مقتل» للكتاب والناشرين، في الوقت الذى عجزت فيه الجهات المختصة من السيطرة على الأمر، لنصل إلى مرحلة ضاعت فيها حقوق المؤلف ومجهوده على الأرصفة والطرقات.


كان ولا يزال «سور الأزبكية» المصدر الأول لتلك النسخ «المضروبة»، وبالرغم من حملات شرطة المصنفات المستمرة والبلاغات المتكررة من دور النشر إلا أن الأزمة مستمرة، والإقبال كبير من قبل القراء.

ويقول محمود مصطفى، أحد بائعى الكتب بالسور، إن إقبال الزبائن على القراءة لم يتأثر كثيرا بالتكنولوجيا والهواتف الذكية والنسخ الالكترونية، فالكتاب دائما له زبونه الذى يأتى لشراء الروايات والقصص القصيرة، ومحبو القراءة الورقية دائما يبحثون عن الكتاب أينما كان.

مسح ضوئى

بمجرد سؤالنا للبائع عن مصدر تلك الكتب، رد قائلاً: "غالبية نسخ الروايات والكتب الحديثة المنتشرة بالسور غير أصلية، بل هناك عدد من التجار يتعاملون فيها فيتم مسح النسخ الأصلية ضوئيا وإعادة طباعتها مرة أخرى بجودة أقل، ويكون سعرها اقل من نصف سعر الكتب الاصلية، وهو ما يجعل الزبائن يقبلون عليها بشكل كبير لتوفير النفقات واشباع رغبتهم فى القراءة".

ولكن على الصعيد الآخر، أشار إلى أن هناك عددا من الكتاب والمؤلفين يقومون بعمل نسخ مخفضة رسمية بأسعار رخيصة لكي تباع في السور، وتكون بعلم منهم ومن وزارة الثقافة، إلا أن عددهم قليل، ومن هؤلاء الكتاب الكاتب مصطفى شهيب والكاتبة سامية احمد واللذان يعتبران أن السور لا غنى عنه فى ترويج الكتب حتى ولو كان مكسبه ضعيفا مقارنة بدور النشر الكبيرة ولكن مبيعاته قد تكون اكثر.

وأكد أن الرقابة على المصنفات الفنية التابعة لوزارة الثقافة قد توقف حال جميع تجار سور الأزبكية، وذلك نتيجة بيعهم للنسخ المقلدة دون تصريح لأن ذلك يعد إهدارا لحقوق المؤلفين.

مصدر الكتاب

أما حربي حسن، بائع كتب، فيقول إنه بالرغم من الركود الكبير الذي عانى منه السور طويلا، إلا أن هناك العديد من الزبائن مازال لديهم ولاء كبير للكتاب الورقي، مما ساهم في الحفاظ على المهنة طوال هذه الفترة، التي عانت من ارتفاع أسعار الورق وما صاحبه من رواج كبير للكتب الالكترونية.

ويضيف حربي أن المشترى غالبا لا يكون على دراية بأصل الكتاب ومصدره، بل ما يهمه هو مدى الاستفادة من المعلومات التى تحويه، وكان ذلك سببا كبيرا فى رواج الكتب المنسوخة بجابب انخفاض ثمنها بالطبع.

ويشير إلى أن الشباب غالبًا ما يقبلون على قراءة الروايات الحديثة، بينما يميل كبار السن إلى قراءة روايات قديمة ليوسف إدريس، ويوسف السباعي، ونجيب محفوظ، وعادةً ما يقبلون على شراء الكتب التاريخية والإسلامية، واختتم حربى الذى قضى 55 عامًا فى مجال بيع الكتب حديثه قائلًا: «إنه بغض النظر عن تقدم الزمن واختلاف الأجيال وتنوع وسائل المعرفة سيظل الكتاب هو الوعاء الحقيقى للثقافة سواء بنسخته الأصلية أو المزورة».

ظلم للمؤلف

خلال جولتنا التقينا بعدد من المواطنين لمناقشتهم حول هذا الأمر فأكدت علا جميل، مهندسة مدنية، أن عملية تداول وشراء الكتب غير الأصلية بالتأكيد يمثل ظلما كبيرا للمؤلف ولحقه فى الاستفادة من كل نسخة يتم بيعها، إلا أن الأسعار التى تضعها دور النشر للنسخ الأصلية مرتفعة للغاية، وهى السبب الرئيسى وراء ضعف الشراء بالرغم من رواج الكتب بشكل كبير والمردود الطيب من الجمهور.

وتضيف أنها اعتادت وزوجها منذ الخطوبة شراء الكتب والروايات معا وحينها كانت دور النشر ملاذهما الأول، وبعد الزواج والإنجاب حاولت غرس القراءة فى بناتها الخمس وبالفعل نشأوا على حب القراءة فكل إجازة يشترون مجموعة متنوعة من الكتب والروايات لقراءتها، لكن بالطبع من سور الأزبكية والسبب وراء ذلك هو السعر.

وتوضح أنه لشراء النسخ الأصلية من الروايات التى تفضلها بناتها سيكلفها مبالغ كبيرة، لكن مع وجود النسخ الشعبية ذات الأسعار المخفضة بسور الازبكية يكون هناك فرصة لشراء أكثر من رواية وكتاب لكل واحدة منهن.

من السودان

عقب مرور بعض الوقت متنقلين بين ممرات سور الازبكية التقينا برجل يرتدى جلبابا أبيض تظهر ملامح الغربة على وجهه ذى البشرة السمراء، يلتفت يمينا ويسارا متحدثا مع أغلب الباعة بلهجة مصرية تشوبها بعض المصطلحات الغريبة عن مجتمعنا، فأثار انتباهنا وبمجرد التحدث معه اكتشفنا إنه مواطن سودانى قطع آلاف الكيلو مترات، حاملاً معه «قائمة» بأنواع مختلفة من الكتب الثقافية والصحية ودينية التى قرر شراءها خصيصا من الأزبكية.

«وصونى من السودان اجيب الكتب وارجع تانى» هكذا بدأ الحاج صديق أحمد، 59 عامًا، حديثه معنا موضحاً أنه اعتاد على مدار سنوات طويلة أن يتزود بالكتب له وللعائلة والأصدقاء من سور الازبكية فهو مقيم بالقاهرة منذ سنوات، وعادة ما يأتى أحدهم للقاهرة فى زيارة فيصاحبه للشراء، لكن بسبب الأحداث الأخيرة فى السودان أرسلوا له القائمة ليتولى عملية شرائها.

وبسؤاله عن سبب الاعتماد على الكتب الورقية بالرغم من انتشار الإلكترونية بشكل واسع أجاب سريعا: الكتب الورقية العربية الأصيلة لها دور كبير فى الحفاظ على ملامح هويتنا العربية والثقافية من التطبع بالغرب»، بينما برر اعتماده على الكتب المنسوخة من سور الازبكية قائلا: «في السودان الكتب عامة مش متوافرة وهنا في مصر دور النشر أسعارها غالية جدا، وأنا مش هشترى كتاب أو اتنين انا بشترى مجموعة كبيرة وده هيكلفني مبلغ عالي لو قررت اشتري نسخ أصلية، فأرخص مكان طبعا هو الأزبكية بعيدا عن حقوق المؤلف وأزماته».

سعر رمزى

من جانبها تقول أسيل السيد، طالبة بكلية طب الأسنان، أنها اعتادت شراء الكتب من سور الأزبكية لأنها أرخص سعرًا من المكتبات ودور النشر، كما أنها متوافرة بشكل كبير، فقد تحتاج إلى أن تقرأ كتابًا له علاقة بمجال دراستها وتعثر عليه بسهولة وبسعر رمزى ، بالاضافة إلى أنها تهوى قراءة كتب عن السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي، والتى تتراوح أسعارها بين 15 و25 جنيها، فى حين أن أسعارها فى المكتبات الكبيرة ودور النشر تتعدى الـ40 جنيها وهو ما يكلفها أكثر من طاقتها.

وأشارت إلى أنه ما إذا كانت الكتب أصلية أو غير أصلية فذلك لا يمثل أهمية بالنسبة لها، لأنها لا تختلف كثيرًا، ولكن كتب سور الأزبكية دائما ما تكون أرخص سعرًا، وهو ما يجعلها فى متناول الطلبة والشباب الذين لايزالون متمسكين بالكتاب وبقراءته، على الرغم من ظهور التكنولوجيا السريعة، ووجود إمكانية تحميل الكتب على الهواتف المحمولة.

بينما توضح سهيلة أحمد، طالبة جامعية، أنها تلتزم كل فترة بشراء عدد من الكتب والروايات لثقل معرفتها، وبالطبع تعلم أن هناك نسخا أصلية ونسخا شعبية لكن التاجر فى المرة الاولى أكد لها أن النسخ الشعبية تكون من نفس دار النشر لكنها تطبعها بجودة أقل حتى تباع بسعر أقل، ومن هنا تشجعت فى الشراء لكنها صُدمت عندما علمت أنها نسخ «مضروبة».

وتشير إلى أن دور النشر والمسئولين عليهم التعاون معا لحل الأمر، فبالفعل النسخ الشعبية سيئة جدا فى الجودة كما أنها تضر بالمؤلف لكن سعرها منخفض ومناسب بشكل كبير لفئة الشباب الجامعي، فالمعادلة هنا صعبة ولا بد من حلها.

وتقول جنى شاكر، طالبة بالثانوية، إنها تأتى مع والدتها إلى سور الأزبكية بعد انتهائها من أداء الامتحانات، وتشعر بالفرح الشديد بعد حصولها على مجموعة كبيرة من الكتب بأسعار رخيصة، لذلك تحب المجيء بشكل مستمر، كما أنها تهوى القراءة منذ صغر سنها، ولكن فى الآونة الأخيرة ارتفعت أسعار الكتب والقصص بشكل كبير، وهو ما جعل والدتها تصطحبها لسور الأزبكية لشراء ما تبحث عنه من روايات وقصص قصيرة، وبعد أن فوجئت بفارق الأسعار بينه وبين دور النشر والمكتبات الكبيرة، أصبحت تأتى بشكل مستمر، وتطلب من والدتها أن ترافقها فى هذه النزهة كل عام.
إجراءات مكثفة

مع نهاية الجولة، تواصلنا مع عدد من أصحاب دور النشر لمعرفة كيفية حل هذا الأمر، فيقول يحيى هاشم، صاحب ومدير دار «اُكتب» للنشر والتوزيع، إن تلك المشكلة يعانى منها الكثير من المؤلفين ودور النشر منذ فترة طويلة، وذلك لعدم وجود قانون يجرم سرقة المطبوعات ونسخها بشكل قاطع، حتى العقوبة التى يتم تطبيقها تكون هينة للغاية فهى مجرد دفع 5 آلاف جنيه بكل سهولة من المزور.

ولفت إلى أنه لضمان حقوق المؤلفين ودور النشر يجب على الدولة أن تتدخل بشكل أو بآخر مع الناشر من خلال تقديم دعم مادى له، وتوفير الآليات الخاصة بالطباعة بأسعار جيدة، للوصول بقدر الإمكان للسعر الذى يبيع به المزور.

ويضيف أن الإجراءات التى يجب أن تتخذها الدولة مع المزور هى تغليظ العقوبات بدون استثناء، إلى جانب وجود إدارة منفصلة تختص بمعاقبة ومتابعة المزورين، وعدم منحهم أى تراخيص فى سور الأزبكية، مؤكدًا أن الناشر لا يستطيع تقليل سعر الكتاب بشكل مبالغ فيه لأن لديه العديد من التكاليف والمصاريف المضاعفة بداية من التعاقد مع الكاتب ونسبته، والتعاقد مع مصمم الغلاف والمدقق والمنفذ، ثم التكلفة الكبرى والتى تُعد كارثة هى الورق ومصاريف الطباعة ثم التوزيع والتسويق والدعاية، ولكن المزور لا يقوم بأى خطوة من تلك الخطوات بل أنه يأخذ الطبعة النهائية وينسخها من خلال الماسح الضوئى مع عدم مراعاة حقوق المؤلف والناشرين.

صناعة التزوير

يشير هاشم إلى أنه تم عقد عدة اجتماعات مع تجار سور الأزبكية وتم الاتفاق على إصدار طبعة خاصة بهم فقط بأسعار مخفضة ولكن لم يتم تنفيذ الاتفاق فبمجرد انتشار الطبعة تم نسخها للعديد من الطبعات المزورة، بالإضافة إلى أن الطبعة الواحدة فى دور النشر تكون 500 كتاب فقط بينما المزورون الطبعة الواحدة لهم تتضمن 10 آلاف نسخة يتم توزيعها على جميع الأكشاك والأماكن غير الرسمية، ولا تستطيع المصنفات فى حملاتها القضاء على التزوير وجميع التجار لأنهم يقومون بمساعدة بعضهم البعض، فتلك صناعة كاملة قائمة على التزوير.

ويؤكد أنه لحماية حقوق المؤلف يكمن الحل فى التقديم فى وزارة الثقافة لحماية حقوقه الفكرية وتسجيل كتابه قبل تقديمه فى دار النشر فى إدارة الحقوق الملكية الفكرية، بالإضافة إلى أنه بعد التعاقد مع دور النشر تقوم الدار بتسجيل الكتاب فى دار الكتب وتحصل على رقم إيداع ورقم دولى لحفظ حقوق الكاتب كمؤلف.

طبعات شعبية

من جهته يقول ياسر رمضان، صاحب دار «كنوز» للنشر والتوزيع، أن كثرة المزورين هى السبب فى عدم حفظ حقوق المؤلفين ودور النشر، وعلى الناشر عند تزوير كتابه تقديم بلاغ فى المصنفات لإثبات حقه، فيتم بدء حصر ومصادرة الكميات المزورة وعمل محضر ضد المزور.

ويضيف أنه الآن تلعب إدارة التزوير فى اتحاد الناشرين المصريين دورا جيدا للغاية لمكافحة الكتب التى يتم تزويرها ونسخها بالتعاون مع القيادات العليا فى المصنفات فأصبحت فى الوقت الحالى تشن ضبطيات بدون بلاغ من الناشرين، وتذهب إلى المطابع لرؤية جواب التفويض باسم الكتاب من الناشر وتحرز الكتاب لتعرضه على اتحاد الناشرين، فبدأت الأمور تنحصر قليلًا.

ويشير إلى أنه يجب على دار النشر طباعة طبعات شعبية لأن هناك فرقا بين مستويات القراء المادية، لذلك عند طباعة طبعات شعبية ستصل للقارئ وسيحصل المؤلف على نسبة قليلة من الأرباح، ولكن فى نفس الوقت لا يضيع حقه، فالآن أصبح القارئ يلجأ للكتاب بسعره الأرخص بسبب سوء الأحوال الاقتصادية، ولكن عند وجود طبعات شعبية بسعر مخفض وقريب من المزور وتكون أصلية ونفس جودة طباعة الكتاب الغالى كل ذلك سيجذب القارئ لشراء الكتاب الأصلى وسيقل التزوير والاقبال على شراء تلك الكتب المزورة، ولكن هناك بعض المؤلفين يرون أن كتبهم لا يجب طبعها طباعة شعبية لأن ذلك سيقلل من قيمة الكتاب.

ويوضح رمضان أن كل ذلك يُعد سببا فى أن ينتهز المزورون تلك الفرصة وبيع الكتب بعد نسخها بدون مراعاة أى حقوق للمؤلف، ويتضرر أكثر دور النشر، لذلك يكمن الحل فى أن تقوم النشر بطباعة الكتب ذات المبيعات العالية وعمل دعاية وترويج لها فى جميع منافذ البيع وفى نفس الوقت يتم استهداف القراء الذين يريدون شراء الكتاب بسعر قليل من خلال الطبعات الشعبية، كل ذلك سيصب فى مصلحة المؤلف ودور النشر.