حكايات|  جزيرة آكلي لحوم البشر.. سجن «ستالين» السري

ستالين
ستالين

 فقرٌ مدقع.. وعذابٌ مستعر.. وألمٌ لا يغادر الفؤاد.. يعيشون في منفى عن الوطن؛ أحاط بعضهم بفتاة صغيرة لم يجدوا الخلاص من الجوع إلا في جسدها.

هجموا عليها كما يهجم الذئب على فريسته؛ مزقوا جسدها واقتطع كل واحد منهم بعض اللحم ليسد جوعه؛ ومن هنا بدأت قصة جزيرة آكلي لحوم البشر في سيبيريا..دكتاتورية ستالين

البداية كانت في ثلاثينات القرن الماضي، وبالتحديد في حقبة الديكتاتور السوفيتي ستالين، الذي اشتهر بأن الرحمة لم تكن أحد خصاله؛ بل كان ديكتاتورا يبد كل الأشخاص الذين يعارضونه أو يقفوا في طريقه، لدرجة أنه تسبب في مقتل أكثر من  50 مليون إنسان، بين عامي 1927و 1953، وهذا العدد يزيد 15 مرة عن ضحايا هتلر في أوروبا، وبأربع مرات عن خسائر روسيا في الحرب العالمية الثانية، و 40 مرة عن خسائرها في الحرب العالمية الأولى.
 
الكثيرون يعتبرون ستالين هو المؤسس الفعلي للاتحاد السوفيتي، حيث أنه تولى بعد لينين وأطاح بالجميع وظل قابضا على الأمور هناك بأفعاله المرعبة التي وصلت لدرجة أنه عندما كان يخطب في الناس لا يستطيعون التوقف عن التصفيق له إلا بعد أن يشير هو بذلك.

 

 
 اقرأ للمحرر: «البغاء» برخصة.. أسرار «العايقة والمقطورة» من سجلات البلدية
 


ستالين وآكلو لحوم البشر
ولكن ما علاقة ستالين بجزيرة آكلي لحوم البشر، الحقيقة أنه السبب الرئيسي لأن تصبح تلك الجزيرة آكلة للحوم البشر، حيث أنه في حقبة القائد السوفيتي جوزيف ستالين كان الاتحاد السوفييتي يخوض عمليات تطهير وحشية أباد خلالها أي شخص رآه تهديدا لنظامه دون ذرة رحمة أو عدل.
 
وبحكم أنه كان هناك أصوات عالية تندد بما يفعله ستالين من جرائم وعمليات إبادة وتنكيل بمعارضيه، الذين كانوا من السياسيين في الجيش أو الحزب الشيوعي نفسه، فأراد أن ينفرد بالحكم دون أن يكون هناك صوت واحد يعارضه، لذلك بدأ في البحث عن أفضل طريقة ليرتاح من هذا الصداع، وهداه عقله إلى أن يتبع وسيلة الترحيل الجماعي لمعارضيه إلى إحدى المناطق القاحلة في سيبيريا، وبالتحديد في جزيرة كانت تسمى «نازينو».

 

اقرأ للمحرر: إيران «الإسلامية».. كثير من الدعارة والمخدرات قليل من الدين


عمليات الترحيل كان من المفترض ألا تكون بتلك العشوائية، بل كان مقررا أن تكون الجزيرة معسكر عمل؛ حيث يمكن الاحتفاظ بالمرحلين واستغلالهم في الأراضي الزراعية والغابات المحيطة بالجزيرة، ولكن في مايو من عام 1933، وجد أكثر من 5 آلاف شخص من المرحلين أنفسهم على شواطئ «نازينو»، وبسبب عدم حيازة السلطات هناك على الموارد والخبرة اللازمة للتعامل مع هذا العدد الكبير من المرحلين، توفي 27 شخصًا في طريقهم إلى الجزيرة، وبمجرد وصول البقية إلى الجزيرة لم توفر لهم السلطات أي أدوات للعمل، مما عنى أن المرحلين عبارة عن سجناء تم إلقاؤهم في الجزيرة إلى أن يجدوا وسيلة للتعامل معهم.

 

الجزيرة هي الحل جزيرة «نازينو»، إحدى المناطق التي تقع على بعد آلاف الكيلومترات من أي حضارة، ولذلك ضمن ستالين ألا يكون هناك تهديد من أي معارض غير مرغوب فيه؛ حيث سيكون مشغول في محاولة البقاء على قيد الحياة في تلك الجزيرة، وبالفعل تم ترحيل الملايين من المعارضين إلى تلك الجزيرة القاحلة في سيبيريا.  

الموقع عبر خرائط جوجل

 

اقرأ للمحرر:  قرية العميان.. آفة بلدتنا «الزواج»

 
ترحيل للموت
 

غير مأهولة؛ ولا يوجد بها أي مباني، ولا يتجاوز عرضها الـ584 مترا وأقل من ثلاثة كيلومترات طولا، ولم يكن بها أي مأوى من الطقس السيء والقاسي، هكذا كانت جزيرة «نازينو»؛ ولجعل الوضع أسوأ مما هي فيه ومما يلاقيه الـ 5 آلاف مُرحل، تم جلب 1200 سجين أخر إضافيا إلى الجزيرة، في حين لا يوجد بها شيء قابل للأكل، مما دفع السلطات – آن ذاك – إلى شحن الدقيق إلى الجزيرة، ولكن في صباح أول يوم جلبوا فيه الدقيق.

تجمع المسجونون الجياع وحاصروا الجنود الذين يسلمون الدقيق، ما دفعهم إلى إطلاق النار، وفي اليوم الثاني، تكرر الموقف ما جعل السلطات تهتدي إلى أن تجعل السجناء ينتخبون مفوضين من بينهم لجلب الدقيق من ضفة النهر الأخرى.

 
 
المفوضون الذين تم انتخابهم؛ كانوا غالبا من المجرمين فأصبحوا يخزنون الطعام ويطالبون بالدفع مقابل الحصول عليه، ومع عدم وجود أفران لصنع الخبز كان السجناء الذين استطاعوا الحصول على الدقيق يخلطونه بمياه النهر ويأكلونه نيئًا، مما تسبب لهم بإسهال شديد، وفي غضون بضعة أسابيع كان يموت أعداد كبيرة ممن يقطنون الجزيرة.
 
فوضى عارمة أقل ما توصف به الجزيرة في تلك المرحلة، في ظل ندرة الطعام وعدم وجود قانون لحماية الضعفاء، ما دفع السجناء إلى قتل بعضهم البعض، حتى تحول الكثير منهم إلى آكلي لحوم البشر.
 

اقرأ للمحرر: «مولوسيا».. أصغر دولة بالعالم تعدادها 32 نسمة وتهدد ألمانيا وأمريكا

 


الشرارة الأولى
أحد الشهود العيان من جزيرة «نازينو»، يصف أول جريمة قتل على تلك الجزيرة؛ قائلا: «في الجزيرة، كان هناك حارس يدعى كوسيتا، كان يغازل فتاة جميلة مسجونة هناك.. لقد قام بحمايتها في أحد الأيام من باقي السجناء، لكنه اضطر إلى الابتعاد لبعض الوقت، وفي غيابه أمسك بقية السجناء بالفتاة وقيدوها إلى شجرة وقطعوا ثدييْها وعضلاتها وكل شيء يمكن أن يأكلوه.. فقد كانوا جائعين وكان عليهم أن يأكلوا.. وعندما عاد كوسيتا كانت الفتاة لا تزال على قيد الحياة، فحاول إنقاذها لكنه فشل بسبب فقدانها الكثير من الدم».


 
وتحولت الجزيرة بعد تلك الواقعة إلى جزيرة أكلة لحوم البشر، حيث انتشر الخبر بين السجناء ومع يأسهم الشديد والفقر الذي يعيشون فيهم، بدأوا في قتل بعضهم البعض والتغذي على أجساد بعضهم البعض، ما دفع بعض سجناء الجزيرة إلى بناء عوامات للخروج من هذا الفيلم المرعب، لكن العوامات غرقت على الفور تقريبا، وبدأت مئات الجثث تتكدس على الشواطئ، فكان كل من استطاع النجاة من النهر قد هلك في براري سيبيريا القاسية، أو تمت مطاردته من قبل الحرس.