أردوغان والصحفيون.. عداءٌ مع تنكيلٍ رُسخ بعد الانقلاب

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

"بعض الصحفيين يساعدون في رعاية الإرهابيين، هؤلاء الرعاة هم أشخاص يُنظر إليهم على أنهم مفكرون، يسقون الإرهاب من خلال أعمدتهم بالصحف، وفي أحد الأيام تجد هؤلاء الأشخاص وقد ظهروا كإرهابيين أمامك" هكذا وصم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان صحفيي بلاده، خلال مؤتمرٍ صحفيٍ مشتركٍ في باريس مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، بعدما طالبه الأخير بإرساء الديمقراطية في بلاد الأناضول، معربًا عن قلقه إزاء أوضاع الصحفيين إلى جانب طلابٍ ومدرسين في البلاد.

أردوغان الساعي لشغل بلاده عضوية الاتحاد الأوروبي لم يبدِ مرونةً تجاه الانتقادات الموجهة إليه بتسليط قبضته الفولاذية تجاه الصحفيين خلال حديثه مع الرئيس الفرنسي، والتي تحول دون انضواء أنقره تحت لواء بروكسيل، لتتأجل إلى حين تطلعات بلدٍ وصفها الصحفي التركي المعارض جان دوندار بأنها السجن الأكبر للصحفيين في العالم.

أحداث المأساة للصحفيين الأتراك بدأت منتصف يوليو عام 2016، حين تعرض حكم الرئيس التركي أردوغان لزلزالٍ مفاجيءٍ ، انقلابٌ عسكريٌ كاد يعصف بحكمه، إلا أن شدته لم تكن بالدرجة الكافية ليتم طي صفحة حكم أردوغان في تركيا المستمرة من عام 2002، لتبدأ بعدها موجة هوجاء تجاه كل المعارضين في البلاد، وعلى رأسهم الصحفيين بدعوى الضلوع وراء الانقلاب العسكري الفاشل في البلاد.

أردوغان ،الرجل الذي ظل يتغنى بالديمقراطية وبالعلمانية لفترات طويلة طيلة حكمه للبلاد بدا أن تخلى عن دبلوماسيته تلك، عندما شعر أن أركان حكمه الذي أوصده في البلاد أصبح في خطرٍ، فأظهر وجهه الحقيقي، وخلع برقع الحرية والديمقراطية الذي كان يرتديه.

محاكمة صحفيين في تركيا

أردوغان شدد من قبضته الموجهة تجاه الصحفيين خلال الأيام القليلة الماضية، فقد تم إحالة اثني عشر صحفيًا على الأقل خلال شهر ديسمبر الماضي إلى المحاكم جميعهم ينتمون إلى صحيفة "جمهوريت"، أشهر صفحات المعارضة، حيث طلوا من وراء القضبان الحديدة، وذلك نقلًا عن صحيفة "ذا تايمز" البريطانية، وسط تظاهراتٍ من صحفيين تابعين للجريدة ضد محاكمة زملائهم، دون أن تفضي هذه التظاهرات بالجديد.

ومن قبل، وصل تنكيل أردوغان بالصحفيين إلى حد أعضاء البرلمان التركي المنتمي لحزب الشعب الجمهوري المعارض (حزب علماني أسسه مصطفى كمال أتاتورك)، وهو أنيس بربر أوغلو ،الذي حُكم عليه في شهر يونيو الماضي بالسجن لمدة 25 عامًا، لاتهامه بنشر معلوماتٍ مخابراتية إبان توليه رئاسة تحرير صحيفة "جمهوريت" بالتحديد.

ولم يشفع الموقف الذي قام به رئيس حزب الشعب الجمهوري ،كمال قليجدار أوغلو، مع أردوغان أثناء محاولة الانقلاب بعدما دعم الرئيس التركي ورفض الانقلاب العسكري ضده، لتجنيب نائب البرلمان عن الحزب ويلات السجون وهو الموقف الذي اُتهم بسببه قليجدار أوغلو من قبل المعارضة التركية فيما بعد بالتساهل مع الرئيس التركي.

رئيس الحزب الجمهوري قاد حينها مسيرة شعبية للمعارضة التركية من أنقره إلى محبس بربر أوغلو قرب اسطنبول، استمرت نحو سبعة عشر يومًا، واصفًا الرئيس التركي بالديكتاتور المستبد، الذي بدوره وصف مسيرات المعارضة بالمسيرات الإرهابية.

وتأتي هذه الحملة المسلطة تجاه الصحفيين مصبغة بصبغةٍ قانونيةٍ، في ظل تجدد فرض حالة الطوارئ في البلاد، والتي يُجرى تجديدها كل ثلاثة أشهر، من قبل البرلمان التركي الذي يسيطر عليه حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان، وكانت آخرها في شهر أكتوبر الماضي، مع ترجيح أن يتم استمرار العمل بحالة الطوارئ في وقتٍ لاحقٍ من هذا الشهر ليتم التجديد لثلاثة شهورٍ إضافيةٍ قابلة للتجديد.

تقارير دولية تدين أنقره

أحدث التقارير الصادرة عن اللجنة الدولية حماية الصحفيين، الصادر مع نهاية عام 2017، يؤشر على احتفاظ بلاد الأناضول بصدارة المشهد في عدد الصحفيين المعتقلين هناك للعام الثاني على التوالي.

وأعلنت اللجنة الدولية لحماية الصحفيين، أن عدد الصحفيين المعتقلين حول العالم  بلغ 262 صحفيًا مع نهاية عام 2017، مع حظي تركيا بالنصيب الأكبر من عدد الصحفيين القابعين في السجون، بيد أن أعداد الصحفيين المعتقلين في تركيا تراجع هذا العام بواقع 8 صحفيين ليصل إلى 73 صحفيًا معتقلاً، بعدما كان 81 مع نهاية عام 2016، الذي جرى خلاله الانقلاب العسكري الفاشل.

وكان التقرير السابق الذي صدر عن المنظمة في عام 2016 قد كشف عن أن نحو ثلث الصحفيين المحتجزين داخل السجون في العالم أجمع يتواجدون في تركيا.

وقالت المنظمة الأمريكية الغير حكومية حينها إن السجون التركية تستقبل نحو 81 صحفيًا تركيًا من إجمالي 259 صحفيًا محتجزين من جميع أنحاء العالم، حيث توجه لهم السلطات التركية اتهاماتٍ تتراوح بين الضلوع وراء الانقلاب العسكري ضد أردوغان أو الانضمام لجماعات إرهابية ذات صلة بشبكة رجل الدين فتح الله جولن، أو نشر وثائق سرية، أو الإساءة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، و التي جعلتها السلطات التركية أحد الجرائم الموجهة للصحفيين، وفقًا للتقرير الصادر عن المنظمة.

و تطرق التقرير للحديث عن الإجراءات الحكومية التعسفية التي اُستخدمت للتضييق على عمل الصحافة في تركيا، والتي من بينها إغلاق أكثر من مائة وسيلة إعلامية خلال شهرين فقط من محاولة الانقلاب الفاشلة.

ومن جانبها، انتقدت منظمة العفو الدولية مطلع شهر مايو الماضي ،على لسان خبيرتها في ألمانيا ماري لوكاس، انتهاكات حقوق الإنسان المنتشرة على نطاقٍ واسعٍ بتركيا، متحدثةً عن أن الأصوات التي توجه انتقاداتٍ لسياسات الحكومة التركية يتم إسكاتها بسرعةٍ هائلةٍ.

أوضاع الصحفيين في تركيا ليست على ما يرام الآن، والقادم قد يكون أسوأ، في ظل تعنت أردوغان ضد إلغاء حالة الطوارئ، وتأكيده أكثر من مرة استمرار العمل بها إلى حين القضاء على ما أسماه الإرهاب، الذي اعتبر الرئيس التركي اليوم بعض الصحفيين جزءًا منه.