سعدنيات

ثورة .. ٢٣ حمروش!

ونحن اطفال صغار حاول السعدني الكبير رحمه الله ان يروضنا بالقراءة فأعطانا.. هالة شقيقتي الكبري وأنا كتابه «السماء  السوداء» الذي كان الشرارة التي انطلقنا منها بعد ذلك لقراءة ما تحمله أرفف مكتبة السعدني.. وقد وجدنا كنزا لايقدر بثمن من خلال رواية «اولاد حارتنا» وبالتأكيد لم نكن نعلم قيمة احد من هؤلاء الكتاب العظام وعلي رأسهم عمنا نجيب محفوظ ولكن اشد ما لفت انتباهي وجود العشرات من الكتب عن جمال عبدالناصر وعن ثورة ٢٣ يوليو وحملت كلها اسم مؤلف واحد هو العم العزيز الغالي احمد حمروش رحمه الله.. وبالتأكيد حاولنا ونحن في سن مبكرة قراءة هذه الكتب ولكنها لم تكن تناسب اعمارنا فتركناها إلي غيرها من كتب الادب والقصص حتي جاء يوم ووجدنا الدنيا قد انقلبت في بيتنا التليفون القديم الاسود ابوقرص دوار الذي كان اشبه بالحجر الاسواني لايكف عن الرنين وفي هذا اليوم كان يصادف الذكري الاجمل والامتع للنفس ذكري ثورة ٢٣ يوليو ومع اننا في هذا العمر الصغير الا ان شخص جمال عبدالناصر كان جاذبا لنا بشكل ليس له مثيل ولكن لماذا هذه الثورة والجنونة التي انتابت التليفون.. انه مقال الولد الشقي الاسبوعي والذي كتبه احتفالا بثورة جمال عبدالناصر الذي كان لايزال في الحكم.
كتب السعدني مقاله بعنوان «ثورة ٢٣ حمروش» وكان العم احمد حمروش احد اقرب وأحب الناس إلي قلب وعقل السعدني الكبير ولكن كمية الكتب التي اصدرها الكاتب الكبير جعلت منه هدفا لسهام السعدني الساخرة بعض اصحاب السعدني كانوا يتصلون للاطمئنان علي انه لم يدخل المعتقل للمرة الثانية باعتباره سخر من كتب احمد حمروش الذي هو احد الضباط الذين خرجوا يوم ٢٣ يوليو في الاسكندرية مع اخوانهم في القاهرة  من اجل انهاء حكم الاسرة العلوية.. وتصور البعض ان المقال سيثير غضب الرئيس جمال عبدالناصر وان السعدني بالتأكيد سوف يلقي به في غياهب السجون.. ولكن الذي حدث ان عم احمد حمروش نفسه اتصل بالسعدني وضحكته المجلجلة تسبق صوته وهو يقول للسعدني.
انت ح توديني في داهية يامحمود بتنسب لي ثورة يوليو
وبعد ذلك بسنوات طويلة ادركنا قيمة احمد حمروش الكاتب عندما تعرض السعدني للسجن في عهد انور السادات وبدأنا مرحلة السياحة في عالم الكتب وادركنا أن لاحمد حمروش فضلا عظيما في تاريخ ثورة ٢٣ يوليو وانه وان كان احد الضباط الاحرار وقد تحول إلي الكتابة في العام ١٩٥٥ بعد قيام الثورة بسنوات قليلة فإنه لم يسع علي الاطلاق ليكون المتحدث الاوحد لها ولم يفكر في مسألة الاقتراب من الرئيس الذي كان هو اي حمروش احد رفاقه في تنظيم الضباط الاحرار.. وارتضي أن يؤدي دوره التنويري في المسرح وفي الصحافة واهدي المكتبة العربية عددا من الكتب اتصور انها شهادة للتاريخ سوف تبقي وتعيش للاجيال القادمة.. شهادة لايبغي صاحبها اية مصلحة شخصية ولا منفعة خاصة.. شهادة لوجه الوطن وللتاريخ.
وبمناسبة الذكري الرابعة والستين للثورة الام في عالمنا العربي اتمني من وزير الثقافة الاخ النمنم ان يعيد اصدار كل ما كتب العم العزيز الغالي  احمد حمروش عن ثورة ٢٣ يوليو.. وهي الثورة التي دفع البعض في الداخل والخارج ايضا.. اموالا طائلة.. لكي يشوهوا صورة زعيمها الاسطوري ابن مصر العظيم جمال عبدالناصر طيب الله ثراه.