ضوء أحمر

التسريب والغش تجسيداً للفساد وتدهور الأخلاق

أحسنت وزارة الثقافة صنعا.. عندما خصصت ندوتين رئيسيتين ضمن نشاطاتها الرمضانية عن الأخلاق والمواطنة وتقدم المجتمع، وإدارتهما في قصر الأمير طاز يوم 19 يونيو، وفي مسرح الهناجر (الملتقي) الدكتورة ناهد عبدالحميد، باقتدارها المعروف ووعيها ونضجها السياسي العام، وتمكنت من توظيف إمكانات كل ضيوفها في كل لقاء علي حدة دون ملل من جمهورها ولأكثر من ساعتين ونصف الساعة، حيث شاركها في اللقاء الأول بطاز كل من: د. آمنة نصير، د. نادية عمارة، الشيخ مظهر شاهين، وفي اللقاء الثاني حضر كل من د. محمد الخشت استاذ الفلسفة ونائب رئيس جامعة القاهرة، بالإضافة إلي الشيخ مظهر شاهين، د. نادية عمارة أيضا. وقد تشرفت بحضورهما، واستمعت كالعادة، خاصة أنني من ضيوف هذين اللقاءين، إما محاضراً، أو مستمعاً في إطار اهتمامي بنشاطات وزارة الثقافة وخاصة هذين الملتقيين، وأستثمر هذه الفرصة لتوجيه الشكر والتحية للدكتورة ناهد عبدالحميد وفريق عملها وضيوفها علي هذه اللقاءات الناجحة متمنيا المزيد من النجاح ودائماً. وفي الوقت الذي تهتم الدولة عبر وزارتها للثقافة بقضية الأخلاق ودورها في النهوض وغرس المواطنة، تأكيداً كما ورد علي لسان مديرة اللقاءين الناقدة د ناهد، أنها قد تعرضت للتدهور عبر سنوات طويلة، والمطلوب إنقاذها من استمرار ذلك، تتفجر قضية تسريب امتحانات الثانوية العامة هذا العام بصورة متوحشة، اضطرت الوزارة أمام هذه الفضيحة أن تلغي بعض الامتحانات وتؤجل الأخري ليستمر المسلسل ولأول مرة في تاريخ الثانوية العامة، شهراً كاملاً، وخاصة أنه شهر رمضان والطلاب صائمون. فالدولة وهي تدق جرس الإنذار متأخرة، في ندوتين، كانت تمارس تدهوراً في الأخلاق وتؤكده في العملية التعليمية، حيث أنها مارست الغش والتدليس والمشاركة في التسريب لامتحانات أهم الشهادات التي تعتبر قنطرة العبور للمستقبل، سواء بالتستر أو بالإهمال أو عمداً.

فقضية الأخلاق لا تتجزأ.. سواء من جانب الأفراد أو من جانب الدولة أجهزة أو مؤسسات أو سياسيين، فالجانب الأكبر بل مضمونها الحقيقي يكمن في نموذج القدوة في الممارسة، فلا يمكن أن يصدق أي شخص مهما كانت معرفتك به ولا تثق فيه أو تتقبل كلامه، إلا إذا كان ما يصدر عنه يتسق مع فعله. ويظل كلامه معلقا في الذهن والذاكرة بل وفي الهواء حتي يتأكد في الواقع العملي من خلال مجموعة الممارسات للشخص والدولة ومن يمثلها من مسئولين كل في موقعه.

فالأخلاق هي منظومة القيم الايجابية التي يقتنع بسلامتها الشخص أو الدولة، ويمارسها في الواقع العملي. فعندما يتصرف الشخص عكس ما يقوله، تسقط معه منظومة القيم التي سعي لغرسها لدي الآخرين. ومن ثم فإن الدولة عندما تسمح من خلال وسائل الإعلام عامة وخاصة من يقوم بتسريب السيديهات لحياة الناس الشخصية للتشهير بهم دون رادع أو محاسبة، فإنها قد سمحت بفكرة التسريب عموماً، خاصة أن المتحدث يزعم علنية أن مصدرها الأجهزة الرسمية، فمن يستطع التسجيل وتعقب حياة السياسيين أو الأشخاص العاديين سوي الدولة؟! وقد كان ذلك مصاحباً لانتشار الفساد طوال حقبة مبارك وفي نموذج امتحانات الثانوية العامة، بدأ التسريب في العام الماضي، وكان المعلن أنه بعد بدء الامتحانات، وهو أمر قد يسهل فعله، لكن أن يتم التسريب قبل بدء الامتحانات الأمر الذي جعل وزير التعليم والحكومة تلغي وتؤجل بعض الامتحانات، التي طالت لشهر كامل، وليس لمثل هذا النوع من الامتحانات مثيل في العالم!! ثم تم الكشف بعد ذلك عن تسريبه أيضا رغم الإعادة والتأجيل ورغم الزعم بتصويره في مطابع سيادية! هل نسينا بطاقات التصويت المزورة والمسربة من المطابع الأميرية إبان انتخابات الرئاسة عام 2012م، وقيل إن وراءها الإخوان الإرهابيين! ولم تتم المحاسبة بكل أسف حتي الآن! كما لم تتم المحاسبة الحقيقية والجادة كتسريب امتحانات الثانوية المزيفة بدءا من الوزير الذي لم تتم إقالته بلا مبرر، الأمر الذي أضاع معه هيبة المجتمع والدولة وامتحانات أو شهادة الثانوية العامة. وسقطت ورقة التوت التي كانت تستر منظومة القيم الأخلاقية في المجتمع المصري. لقد فسدت أخلاق المجتمع المصري بعد حرب أكتوبر 1973 حيث أصبح النفاق والانتهازية والسلب والنهب، والكذب والخداع والمؤامرة هي شعارات ما بعد الحرب فكراً وسلوكاً، فتكونت منظومة الانهيار الأخلاقي، وتم تدمير ممنهج منذ أكثر من 40 سنة للتعليم والإعلام والثقافة حتي وصلنا إلي هذا الحال. لقد انهار 3 ملايين شخص هي إجمالي عدد أفراد الأسر التي لها طلاب بالثانوية فقط، فما بالكم بباقي الشعب المنهار؟!