قانون الحـب

البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية
البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية

وليد عبيد

مابين (الله محبة) و(لتجدن أقربهم مودة..)، تعدت فكرة الحب بين المصريين أن تكون عادة، بل هى أمر إلهى تلقاه المصرى منذ القدم..  عندما أوصى الرسول أتباعه بالإحسان إلى قبط مصر فقال: ( إنكم ستفتحون أرضاً يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيراً فإن لهم ذمة ورحما) وقابله المسيحى بشعار الله محبة الذى يملأ كثيرًا من بيوت وشوارع المحروسة.

الحب خيط سميك ربط بين طرفى هذه الأمة، ووقف عصيا أمام كثير من محاولات الانقسام،  لم تفلح معه محاولات المتآمرين أن تشق الصف، ولم تنجح خطط المتربصين فى زرع بذور الخلاف ، فكلما أشعلوا نارا للفتن أطفأتها محبة عبرت بهم كل محطات المحن.

فأحمد هو المعلم وبيشوى التلميذ، ومايكل زميل (الدكة) مع محمد، ود.مجدى الطبيب المعالج لعبد الرحمن، وحنا هو الجار الذى يحتفل بقدوم رمضان مع حسين.. وهاجر القبطية هى زوجة أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام، ومارية القبطية هى أم المؤمنين زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم وأم ولده إبراهيم. 
هكذا حال العلاقات المتميزة التى تربط بين المسلمين والمسيحيين على أرض مصر، وعلى مدى التاريخ جمعتهم هذه الأرض التى ارتوت بدمائهم فى معارك التحرير المصيرية، وتشاركوا فى غرسها بالمودة والتآخى، فحصدوا منها تلاحما صلدا تتباهى به بين الأمم.

فمن ينسى باقى زكى يوسف صاحب الفكرة التى أنقذت آلاف الجنود من الموت المحقق، والذين لم يرسموا علامات الهلال والصليب على جباههم بل قالوا فى صوت واحد بسم الله.. الله أكبر أثناء ملحمة العبور. هذا التلاحم لم يأتِ من فراغ، بل كان لاعتبارات تاريخية جعلت (كنانة الله) مكانا لمحطات دينية عظيمة، فهى أرض التجلى الأعظم، وعبرها سارت رحلة العائلة المقدسة، ومنها خرج صلاح الدين لتحرير القدس..

وخلال هذه السطور تقدم «أخبار اليوم» ثمرات علم وتجربة بعض رموز المجتمع من قيادات دينية ومسيحية، فى رسالة للعالم كله بأن المسلم والمسيحى إخوة تجمعهم محبة خالدة على أرض بلد لا تنبت إلا السلام.

«الكلمات الجميلة والدعوات الصادقة … أشياء بسيطة تزيد الحياة حبًّا وفرحًا وسلامًا» (عبارة مأثورة)

إن كلمة قانون تعود فى أصلها اليونانى إلى الأداة التى تمكِّن الكرمة من التسلُّق إلى أعلى فتصير أكثر إثمارًا وإنتاجية. بمعنى آخر أن كلمة قانون تعنى «فن تنظيم الحياة» من خلال ثوابت تتسلَّق عليها حياتنا لتنمو وتثبت فى المسيح وتصير فيه أكثر إثمارًا وأوفر أفراحًا.

ولكى نفهم قانون الحب يجب علينا أولًا أن نعرف احتياجات الإنسان الأساسية والتى تشكِّل معالم وجوده اليومى فى أى زمان وأى مكان فأى شخص منا، مهما كان وضعه وسنه وعمله ومنصبه ودراسته وتكوينه، له احتياجات أساسية أربعة هي:

الاحتياجات الجسدية تتلخَّص فى: الأكل والشرب والملبس والنوم، وأحيانًا تسمى بالاحتياجات البيولوجية فكلمة «بيو» باللغة اليونانية تعنى «حياة».

أمَّا الاحتياجات النفسية: فهى الاحتياج إلى التقدير والحنان، والأمان والحرية، وأيضًا يحتاج الإنسان إلى الحب، وهذه الاحتياجات تبدأ منذ بداية ولادة الطفل وتنمو وتتغيَّر بنمو الإنسان.

وبالنسبة للاحتياجات العقلية، فهى الاحتياج إلى تغذية العقل بالقراءة والاطلاع والمعرفة والدراسة والبحث …

أمَّا الاحتياجات الروحية فهى الاحتياج المطلق إلى الله، والاحتياج إلى الغفران، أى احتياج الإنسان لعمل الله فى حياته، ومعيَّة الله فى كل أعماله.

ويُعَدُّ الاحتياج النفسى أحد أهم هذه الاحتياجات، وهو يتلخَّص فى الاحتياج للحب، فيصير الحب هو مفتاح القلوب، فمتى شعر الإنسان بمحبة الآخرين سيتقبَّل منهم أى شيء بحب واهتمام.

لذلك عندما تعامل الله معنا نحن البشر، تعامل معنا من منطلق الحب.

لقد خلقنا الله مختلفين ومُتَفَرِّدين لكن هدفنا فى النهاية واحد أن نحيا فى علاقة محبة مع الله ومع إخوتنا فى الإنسانية. وأن يكون قانون الحب هو قانون حياتنا وعلاقاتنا. ويمتد قانون الحب بالتالى من الإنسان الفرد فى حياته ليصل إلى مَنْ يعيش معهم فى مجتمعه من خلال ثلاثة أشكال للتواصل مع الآخرين:
الشكل الفردى: أى الاهتمام بالآخرين والسؤال عنهم وإظهار المحبة لهم فى لقائنا معهم، أو مكالمة أو مجاملة وغير ذلك.

والشكل الآخر هو الشكل الاجتماعى: من خلال التجمعات المنزلية (أفراد الأسرة الواحدة) أو العائلية أو الأصدقاء أو شركاء العمل والجيرة وهى لقاءات محبة تسهم فى تشجيع بعضنا البعض وشحذ الهمم.

كما أن هناك شكلًا اجتماعيًّا آخر يشمل الأنشطة الكنسية المتعددة التى يسميها الكتاب: «إِنْ كَانَتْ تَسْلِيَةٌ مَا لِلْمَحَبَّةِ» (فى 2: 1). وهى تعمل على سد الفراغ النفسى والوجدانى فى شخصية الإنسان باعتباره كائنًا اجتماعيًّا يحتاج الترفيه الإيجابى لكى تتكامل صحته النفسية بكل مقوِّماتها.

وانطلاقًا من تطبيقات قانون الحب يجب أن يعرف الإنسان كيف يتفاعل مع أخيه الإنسان ويحيا معه من خلال أربعة مبادئ أساسية:

أوَّلها مبدأ القبول:

من المهم أن يتدرب الإنسان على مهارة قبول الجميع، ولا يكون له خاصة به، بل يكون قلبه مفتوحا للجميع.

المبدأ الثانى هو مبدأ التفاهم أو الاتصال:

بمعنى أنك تستطيع أن تصل إلى الآخر من خلال اتساع القلب والعقل.

المبدأ الثالث هو المبادرة:

فالذى يبادر بالحديث هو الذى يبادر بكسر الحواجز بينه وبين الآخرين، وبذلك يفتح قنوات عديدة للحديث والتفاعل والحب.

المبدأ الرابع هو التشجيع:

والتشجيع هو إحدى الوسائل الأساسية فى التفاعل الإنسانى مثل الحب تمامًا، وهو أيضًا أحد الأسباب الرئيسية لنجاح التفاعل مع الآخرين.

والآن أود أن أحدثك عن ثلاث مهارات أساسية فى قانون الحب:

المهارة الأولى: هى مهارة الحوار والمناقشة، والسؤال والجواب، بمعنى مهارة الكلام وترتيبه. وتوجد لغتان للكلام: لغة لفظية، ولغة جسدية، أى بدون ألفاظ!
الإنسان يتأثر باللغة اللفظية بنسبة 40٪، أمَّا اللغة الجسدية، فيتأثر بها بنسة 60٪، وهذه اللغة تشمل: نظرات العين، وطريقة الجلوس وغيرها من الحركات والأوضاع التى نعتمد عليها فى حديثنا.

مهارة الحوار أيضًا يدخل بها فترات الصمت، بمعنى أنه أثناء حديثك مع شخص آخر، قد يكون هناك فترة صمت لمدة ثوان، فإذا قام الشخص الآخر بالبكاء مثلًا، حاول أن تقدِّر سبب بكائه وحساسية مشاعره.

أيضًا نبرات الصوت لها عامل هام، فإذا أردت أن تعطى اهتمامًا فى الحديث، وتُشعِر مَنْ أمامك بأهميته عندك، يجب أن تخفِّض نبرة صوتك وكأنك تهمس فى أذنه، وهذا يُعطى نوعًا من الخصوصية للآخر، وكأنك تُعطيه رسالة خاصة، وأنه قريب إليك جدًّا وأن هذه الرسالة لا تريد أن يسمعها أحد غيره، وأنصحك أن تصلِّى فى قلبك أثناء حديثك مع الآخر، فصلِّ قائلًا: «يا رب أرشدنى وعلِّمنى ماذا أقول، اكشف لى يا رب ما يجب أن أتحدَّث به».

المهارة الثانية: هى مهارة الاستماع الإيجابى والإنصات الكيانى … فاسمع بابتسامة وأَظهِر الاهتمام والتعبير ببعض الكلمات البسيطة، مثل شاطر، أو ماذا فعلت بعد ذلك؟ … وهكذا من كلمات تُبرِز مدى الاهتمام.

كذلك الاهتمام بلغة الجسد فهى تنقل العديد من الرسائل أبلغ وأقوى من الكلمات.

المهارة الثالثة: وهى مهارة القراءة والثقافة والاطلاع، فالقراءة توسِّع مدارك الإنسان وتنميها، مثل علم النفس أو علم الشخصيات، أو كيفية مواجهة المواقف والأزمات، ويقول أحد الآباء: ما أمتع السهر على صفحات كتاب.

أخيرًا يا عزيزى أودُّ أن أهمس فى أذنك، أن اللمسات الشخصية التى تُقدِّمها للآخرين تصنع فارقًا كبيرًا فى كيفية مواجهتهم للمواقف. وتذكَّر أن «رابح النفوس حكيم» (أم 11: 30). الذى هو أساس قانون الحب.