تأتي نهاية مسلسل “لحظة غضب” المثيرة والمدهشة، لتتوج إحساسا بدراما ثرية ونظرة إعجاب ولدت منذ اللحظة الأولى مع عمل من العيار الثقيل، جاء ملفتا برؤيته ونهجة وأسلوب سرده، وتركيبة شخصياته، وقدرتهم على التقمص وكأنهم يبحرون في منطقة تانية أكثر عمقا .
وبمجرد إنتهاء الأحداث ووصولها بالحكم على بطلتنا المتهمة بقتل الزوج بالحبس 3 سنوات، تذهب إليها - في مشهد مفاجئ للمشاهدين - بعض النساء ليخبروها بأنهم يريدون مساعدتها في قتل أزواجهم، وتعلو وجه المتهمة ابتسامة شاردة تحمل رسائل عديدة.. تلك النهاية قفزت على المتوقع، حيث اعتبرت رمزاً لمن هم مثلها، وقد تعرضوا لعنف من أزواجهم.
يعكس هذا المشهد لحظات من التضامن بين النساء، ويبرز دور الجانية كرمز للوقوف ضد التسلط الذكوري والدفاع عن حقوق المرأة في مجتمع يفتقد حياة سوية .
مع تلك النهاية أعود بكم إلى بداية الحكاية، نحن أمام الطاهية الماهرة يمنى (صبا مبارك)، التي تعاني من جفاء وقسوة وسيطرة زوجها شريف (محمد فراج)، وتحكمه في كل شيء، وتتطور الأمور في علاقتهما إلى حد الإنهيار، فتقرر اتخاذ منعطف آخر لحياتها، ووضع حد لحياتها التعيسة، وفي ليلة الاحتفال بعيد ميلادها، تفقد السيطرة على نفسها وتُسقط شريف أرضًا بضربة على رأسه، ثم تخفي آثار الجريمة وتخبئ الجثة بالمطبخ، ثم تلقيها في نهر النيل وتوهم عائلة شريف بتركه المنزل، وأثناء الاحتفال، يرى الطفل مروان الجثة، بينما يشك شقيقه مصطفى (محمد شاهين) في الأمر، والذي بات محيرا إلى أن يواجه يمنى بأنها قتلته فتضربه هو الآخر على رأسه، لكنه لم يمت، وتذهب لتعترف على نفسها .
أحد أجمل ميزات المسلسل أداء الممثلين، خاصة تلك الشخصية التي جسدتها بإقناع صبا مبارك، الزوجة التي تتعرض لتعنيف من زوجها، ولا تستطيع عيش أبسط حقوقها في الحياة، وعندما تنفجر في «لحظة غضب» وتقتله، تنتقل في تحولاتها وانفعالاتها خلال الأحداث من ضعيفة ساذجة إلى امرأة قوية تتصدى لمن يضايقها واثقة بنفسها لا تخاف أحداً، صورة يمنى وطبقة الصوت التي تتحدث بها تضع صبا في منطقة مختلفة، يظهر من خلالها جهدها وجهد المخرج عبدالعزيز النجار، إظهارها بهذه الصورة النهائية بتفاصيل شديدة الخصوصية، وقد استطاعت أن تخطفنا بتجسيدها الصادق والمقنع، خلقَ حالة غريبة عاش معها الجمهور لحظات مليئة بالتوتر والتشويق، بعدما آلت إليه شخصية يمنى من مصير يختلف تماماً عن ما شاهدوه في بداية تعرفهم عليها، فقد شهدت تطوراً وتحولاً درامياً كبيراً، فبفضل مجموعة من القرارات الشجاعة والمصيرية، استطاعت يمنى أن تجد لنفسها الطريق الأسلم والأكثر تحديًا، حيث قررت تسليم نفسها إلى الشرطة بكل ثقة وثبات، لتلقى عقوبتها التي تستحق، ونجحت صبا مبارك في تجسيد التحديات التي تواجهها يمنى، بفضل قدرتها الاستثنائية على تقديم الشخصية، حيث استطاعت إظهار الصعوبات النفسية وحالات القلق والخوف والتردد التي تعانيها يمنى، بسبب الصراع الداخلي المستمر بين الشعور بالندم على أفعالها والحاجة الملحة إلى حماية نفسها.
بالقطع كان لحبكة السيناريو الذي كتبه مهاب طارق بتتابع مشوق للأحداث دور كبير في سرد التفاصيل بنعومة شديدة رغم أجواء الجريمة، ليربح الرهان مع المخرج الذي أبهرنا، خاصة في تصويره يمنى وهي جاهدة للبقاء غير منكشفة، خلال بعض الأحداث التي تم تنفيذها بأسلوب “One Shot”، وهو ما أضفى واقعية شديدة، مما جعلنا نشعر وكأننا جزء من الأحداث، ونعيش الأجواء المتوترة بين الشخصيات.
أيضا أجاد محمد شاهين صاحب كتلة مشاعر لعبت دورا هاما في التوازن الدرامي، وعلي قاسم الجار الغامض ذو الأداء الهادئ الرزين.