حروف ثائرة

محمد البهنساوي يكتب: أفريقيا.. والعبور للباب العالي

محمد البهنساوي
محمد البهنساوي

إذا كنا تحدثنا فى المقال الماضي عن السياسة الخارجية المصرية، وما تشهده منذ ثورة 30 يونيو من نضج ورسوخ وعمق يدفعها لتميز شديد فى عدة اتجاهات، وإذا كنا تناولنا بعض ملامح هذا النضج في بعض الملفات والمحاور الإقليمية والدولية، والتى تصب نهاية فى المصلحة العليا لمصر، وكشفنا بعض الأهداف السياسية والأخرى الاقتصادية لتلك المحاور، فإننا اليوم بصدد الحديث وفي نفس الإطار عن واحد من أنجح تحركاتنا الخارجية والملف الأهم، ألا وهو الاتجاه الأفريقى، وأهميته تكمن فى أسباب عديدة يتصدرها أن أفريقيا عمق مهم لأمننا القومى، وهى البوابة الأوسع والأسهل نحو الريادة والتأثير الدولى، ناهيك عن انها التجمع الأهم لمصر اقتصاديا قبل أن يكون سياسيا.

وفي هذا الملف تحديدا تحقق مصر 30 يونيو نجاحا ينبئ عن الذكاء والعمق والنضج أيضا لتعود الى قمة قلب القارة السمراء بعد عقود وبعد جفاء، ونظراً لأهمية إفريقيا كانت موضع الضربة الأسبق والأكثر خبثاً من القوى الدولية المتربصة بـ30 يونيو، وما أحدثته من ارتباك لمخططاتهم للمنطقة، وكان ضغطهم لتجميد عضوية مصر وفعاليتها أفريقياً، لتنجح مصر سريعا فى تحويل تلك المحنة الى منحة، وتعود من الباب الأفريقي العالي، وترأس ولسنواتٍ متتالية تجمعات أفريقية مهمة من الاتحاد الأفريقي لقمة النيباد وغيرها.

ومؤخرا وليس أولا او أخيرا، كانت هناك نماذج لتميز السياسة المصرية تجاه أفريقيا، سواء بقمة دول جوار السودان، والتي تحدثنا كثيرا فى المقال السابق عن أهميتها لأمننا القومى، وترسيخ مكانة مصر أفريقياً وعربياً ودولياً، ونجحت تلك القمة فى تحقيق أهداف عديدة كبرى، وما أدل على هذا النجاح من الحضور الأفريقي الرفيع لزعماء دول الجوار، والإهتمام العالمى بمخرجات تلك القمة، تلتها مباشرة المشاركة الذكية والمحسوبة للرئيس عبدالفتاح السيسي فى القمة التنسيقية التابعة للاتحاد الأفريقي بالعاصمة الكينية نيروبي، استكمالاً للجهود والنجاحات التى حققتها مصر خلال رئاستها للاتحاد الأفريقي، لتعزيز التكامل الاقتصادى بالقارة.

والمشاركة في قمة نيروبي ليست بروتوكولية، أو فقط لتعزيز التواجد القوى، لكن أهميتها تنبع من الأهمية القصوى لما بحثته بحضور 13 دولة أفريقية من تحقيق التكامل الاقتصادى والتنمية بدول القارة، وتعزيز الاندماج التجارى وربط الأسواق المالية وتطوير البنية التحتية، وتفعيل جواز السفر الأفريقى الموحد، إضافة إلى بحث إنشاء سوق أفريقية مشتركة. كل هذا يقود لتسريع التجارة والزراعة والصناعة وغيرها الكثير بين دول القارة، وهى ملفات لو تعلمون عظيمة، فإن أى تقدم بأى من تلك الملفات كفيل بأن يضع القارة، وفي مقدمتها مصر، بمكانة اقتصادية دولية بعيدة،

وعندما نتحدث عن أن أفريقيا هى بابنا العالى لمكانة دولية مستحقة، فنحن نقصد ذلك ونعيه تماما، كما تعيه سياستنا الخارجية التى راحت تتبنى الحقوق الافريقية وتفاوض من اجل تحقيقها، وما كان مؤتمر المناخ بشرم الشيخ ببعيد، وجهود مصر لتعويض القارة السمراء عما تلاقيه من تداعيات تلك الأزمة العالمية التى تسببها الدول المتقدمة، كما أن مصر المعبر السياسى والاقتصادى وغيرهما ما بين الدول العربية والافريقية، وتلك نقطة قوة بدأت مصر فى استغلالها لصالح الجميع.

وإذا كان ما يقال أن أفريقيا هى كنز العالم المدفون، فقد أصبحت كنز مصر المعلوم، سياسيا واقتصاديا، ونتحرك بذكاء ليجنى الجميع حصاده.