كنوز| مهمة تعذيب.. علي أمين يدرب أحمد رجب على الكتابة باختصار

أحمد رجب مع على أمين
أحمد رجب مع على أمين

كتب الزعيم سعد زغلول خطابا طويلا إلى الشيخ محمد عبده وكتب فى آخر الخطاب يقول «اغفر لى الإطالة فلا وقت عندى للاختصار، ذلك أن البلاغة فى الكلمات القليلة التى تحوى معانى كثيرة». 

وكان على أمين يدرب أحمد رجب فى شبابه على أن يكتب باختصار وكان يعطيه مقالاً فى أربعين صفحة ويطلب إليه أن يلخصه فى عشرة سطور، وكان أحمد رجب يتعذب فى هذه المهمة العسيرة إلى ان أصبح يؤمن بأن البلاغة فى الكلمات القليلة والمعانى الكثيرة. وكان يقول له: خذ هذا الكلام واكتبه فى أقل عدد من السطور. وتصور أنك تكتب تلغرافًا وأنك ستُحاسب على كل كلمة زائدة. ونبغ أحمد رجب فى هذا النوع من الكتابة واشتهر به وأصبح أهم كاتب ساخر فى الشرق الأوسط. 

وسخرية أحمد رجب سريعة وهى أشبه بالمدفع الرشاش. ولكن الفرق بينه وبين المدفع الرشاش أنه يجرح ولا يسيل دماً. وهو يحب الذين يهاجمهم ولا يحقد عليهم. ويقاتل الحكام وهم فوق الحصان فإذا وقعوا من فوق الحصان توقف فوراً عن حربهم واشترك فى تضميد جراحهم . وهو يكتب وهو يبتسم فإذا انتهى من كتابة كلمته عاد إلى تكشيرته المعتادة. وهو سريع الغضب سريع الرضا. شديد الحرص على كرامته. لكنه كثير التواضع يهوى محاربة الأقوياء وعناق الضعفاء. 

تم ترشيحه رئيساً لتحرير آخر ساعة. لكن الرئيس أنور السادات لم يوافق عليه لأنه لا يسمع الكلام. والواقع أن أحمد رجب يسمع كلام القارئ البسيط ولا يسمع كلام الحكام العظام. ويقبل يد العجوز الغلبان ويبارز الوزير الخطير. وأكبر صفة فى أحمد رجب الوفاء. أنه يخلص للصديق حيا وميتا ورئيسا للوزارة ومطرودا من الحكم. ينقده وهو فى النفوذ والسلطان ويدافع عنه وهو يجلس على الرصيف. 

عرفته متحمساً لأحد الوزراء يرشحه رئيساً للوزارة. وأصبح هذا الرجل رئيساً للوزارة وإذا بأحمد رجب أول من يهاجمه. لقد رآه فوق الكرسى واكتشف أنه أصغر كثيراً من الكرسى !

وأحمد رجب خفيف الدم. يملأ المجلس الذى يجلس فيه ضحكا ومرحا. وكلامه المنطوق هو صورة من كلامه المكتوب. وأعرف كتاباً ساخرين وهم يكتبون ولكنهم ثقلاء الظل وهم ينطقون. يجلسون فى المجلس الضاحك فيحولونه إلى مأتم ! والذين يهاجمهم أحمد رجب لا يستطيعون أن يكرهوه أو يقاطعوه بل الغريب أن أحمد عندما يرى واحداً منهم يتردد أن يصافحه أو يقترب منه وإذا بالرجل المضروب يأخذ أحمد بالأحضان.. وأفكاره الكاريكاتورية لا تقل خفة دم عن كتابته الكاريكاتيرية.. فرسومه تضحك كما تضحك كلماته. فالريشة ليست فى فمه بل إنها فى يده أيضا وهو يضحك من كل قلبه ولهذا تجيء كلماته ضاحكة باسمة مرحة.. هذا هو أحمد رجب كما أعرفه. 

مصطفى أمين 

مقدمة كتاب « 2/1 كلمة»