الخروج عن الصمت

رحيل انسان (١ - ٢)

محمد عبدالواحد
محمد عبدالواحد

محمد عبدالواحد

فى الحقيقة إن موت الأحباب يجعلك عاجزًا أن تكتب كلمة رثاء واحدة فى حقهم وقت الوفاة . وعندما تخلد إلى نفسك ترى أن شريط الذكريات يمر أمامك وكأنك تسترجع لحظات المعايشة معهم يومًا بيوم  . فبالأمس فقدت  صديقًا وأخًا عزيزًا ألا وهو الأستاذ والكاتب الكبير ياسر رزق، اختلفت معه ولكنى لم أهدم جسور الود بيننا . فهو إنسان قبل أن يكون رئيسًا يختلف يغضب لكن يبقى قلبه الأبيض الذى يجعلك تخجل من نفسك فإذا لمحك مد ذراعيه بالإحضان .ويعلم الله أننى أكتب وقلبى يعتصر ألمًا لفراقه وأحمد الله أن المحبة كانت خالصة لوجه الله تعالى . فلم أكن يومًا منتفعًا أو متقربًا لتحقيق مصلحة.
فلقاؤنا لأول مرة وكأننا نعرف بعضنا من سنين أو نكاد نكون زملاء دراسة أوتربينا سويًا . كان هذا اللقاء وهو مرشح نفسه لعضوية نقابة الصحفيين ويومها كنت متدربًا فى بيتى الأول الوفد .. ودخل معه الأستاذ عباس الطرابيلى عليه رحمة الله وكان وقتها مدير تحرير الجريدة يمسك بيده يسألنا عارفين مين ده ياولاد ؟!
ده الأستاذ ياسر رزق ابن الأخ والزميل الفاضل فتحى رزق وبدأ يسرد حكاياته التى تجعلنا جميعنا نترك ما فى أيدينا لننتبه إلى حديثه .. وبصراحة صافح ياسر رزق بدماثة خلقه كل الموجودين واحتضنهم فمنهم زملاء له يعرفهم جيدًا بالأسماء ومن لم يكن له بينه وبينهم سابقة تعارف احتضنهم أيضًا  وكأنه يعرفهم منذ زمن طويل. وحان وقت الانتخابات وكان ذلك عام ١٩٩٥وكانت نقابتنا بجمالها تضم كل التيارات السياسية يختلفون لكن كانوا جميعًا اتحدوا على حاجة وحيدة وهى حب الوطن.
وكان لليوم نفحات رغم حرارة الجو لأنك بالفعل فى شهر الخير وكانت الانتخابات تجرى فى نقابتنا العتيقة حيث كانت لها رائحة جميلة لأنها تحوى بين جدرانها عمالقة الصحافة وكان وقتها الأستاذ إبراهيم نافع مرشحًا على كرسى النقيب  وباقى الأعضاء  واستمر الفرز حتى الساعات الاولى لوقت السحور وكان ياسر رزق هو وأحد الأعضاء متقاربين فى الأصوات وأحيانًا يتقدم ياسر بفارق كبير فنشعر جميعًا بالفرحة ولكن هو كعادته الصحفية ممسك بالورقة لا يهدأ له بال  ولا يرتاح فى مكان يمشى يسرة ويمنة يجعلك لو ركزت معه تفقد تركيزك من كثرة النظر إليه وكلما علا الصوت يشاور للجميع اهدأوا حتى ينتهى الفرز وفجأة تأتى الصناديق الأخيرة تقلب الموازين لصالح هذا الزميل ورغم خسارة ياسر، فى أول تجربة له - لكنه فاز  باكتساح بعد ذلك فى دورتين متتالتين - إلا أنه حرص على تهنئة الزميل وأخذ يرتمى فى أحضاننا ومن يومها صرنا أصدقاء .