عرفت القليوبية محافظين كثرا وشغل منصب المحافظ فيها العديد من رجالات الدولة لكن ذاكرتها لم تحفظ منهم إلا رجلين اثنين هما عبد المنعم أبو الفتوح الذي في عهده أنشئ مستشفي بنها العام وتغيرت ملامح مدينة بنها بالكامل فأنشأ الكورنيش علي ضفاف نهر النيل وشق أشهر شارع في المدينة وهو شارع فريد ندا، وجاء بعده عشرات المحافظين لكن أثرهم كان محدودا ثم جاء الدكتور محمد عادل إلهامي في تسعينات القرن الماضي وكان صاحب شخصية قوية يتابع بنفسه الأداء اليومي لموظفي المحليات صارما في قراراته وجزاءاته لا يقبل أية وساطة ولذا أحبه الناس وعملوا له ألف حساب وألفوا عنه الحكايات منها مثلا إنه يتنكر في ملابس فلاح ويمر متخفيا في المصالح الحكومية يراقب الموظفين ويعاقب المزوغين منهم ومسيئي معاملة الجمهور وكانت تلك الحكايات من وحي الخيال وأذكر أنني سألته يوما عن ذلك فقال إنه لا يهمل قراءة الشكاوي يقرأها بنفسه ويهتم بها ويتحقق منها ثم يعاقب المقصرين، وتلاه محافظون كثر نسي الناس أسماءهم عقب خروجهم من المنصب ثم جاء اللواء دكتور رضا فرحات محافظا للقليوبية في التغيير الأخير ورغم مضي وقت قصير علي تولي الرجل منصبه إلا أنه استولي علي اهتمام وحب الناس بسرعة عجيبة والسبب أنه رجل ميداني يقضي جل وقته في الشارع بين الناس يسمع شكاويهم ويناقش معهم الحلول وكان ذلك سر نجاحه في حل مشكلة استعصت علي من كان قبله وهي نقل سوق الاثنين الذي كان يجعل مدينة بنها مدينة مغلقة تحت حصار الباعة كل يوم اثنين فيسدون مدخلها القبلي ويعيقون حركة القطارات، وكان مقررا نقل السوق إلي منطقة عزبة البرنس وهي بعيدة وكان ذلك سبب فشل كل المحاولات السابقة لحل المشكلة ولكن لأن الرجل لا يعتمد علي التقارير المكتوبة نزل بنفسه وعاين المكان واستمع للباعة ووصل معهم لحل هو نقل السوق إلي مكان ليس ببعيد لكنه يضمن لهم البيع في أمان بعيدا عن مخاطر السيارات والقطارات ورذالة البلطجية ونجحت الفكرة واستقرت الأمور، أما أهم المواقف التي جعلتني احترم هذا الرجل ان امرأة ريفية بسيطة قالت له ألست المحافظ المسئول عنا؟ فقال نعم، قالت إذن حل مشكلتي وهي أن زوجي تغرب من أجل لقمة العيش وذات يوم جاء من يقول إنه مات بالسكتة القلبية والكفيل يريد موافقتي علي دفنه في السعودية استعوضت الله فيه وبصمت لهم وبعد فترة علمت من أحد زملائه أنه مات في حادث سير والكفيل أضاع حقنا فقام المحافظ بالإتصال بقنصل مصر في السعودية وطلب منه التواصل معه ومع صاحبة الفاجعة حتي حل المشكلة نهائيا.. أليس هذا رجلا؟ يستحق الاحترام والتقدير.