فنان بقلب أسد، حنجرته الجبلية جعلته مميزًا بين أبناء جيله، بين «ريتشارد» و«شمشون» كتب الفنان الراحل «العبقري» حمدي غيث اسمه بماء الذهب على شاشة السينما والتلفزيون، وصنع تمثالا ضخمًا لنفسه على خشبة المسرح.

لم يكن مخططًا لحمدي غيث منذ البداية أن يصبح ممثلا، فقد بدأ حياته طالبًا بكلية الحقوق، والتحق بعدها بمعهد التمثيل، لكن دراسته للحقوق لم تكتمل، فقد تركها بعد أن جاءته منحة لاستكمال دراسته المسرحية في باريس، وكان هذا هو نهاية عهده بالقانون، وحسم اختياره ليكون ممثلا لا شيء آخر.

في عام 1924 ولد محمود حمدي الحسيني غيث، الشهير بحمدي غيث، في قرية كفر شلشلمون، مركز منيا القمح، محافظة الشرقية.

كان «غيث» قاب قوسين أو أدنى من التوجه إلى الغناء لما يتمتع به من صوت جهوري، وبالفعل استمع له نجوم التلحين وقتها منهم: محمود الشريف ورياض السنباطي وعلي إسماعيل، الذين أقروا بإجادته لأغان يطلق عليها «موتيفات»، ولكن مشروعه الغنائي توقف بعد احترافه السينما، وإن ظلت الموهبة الغنائية مصاحبة له، ونادرًا ما كان يخرجها في أمسيات عائلية أو مع أصدقائه المقربين.

وقف حمدي غيث، أمام الكاميرا، للمرة الأولى في حياته وعمره 30 عامًا، مؤديًا دوره الأول في فيلم «صراع في الوادي» مع فاتن حمامة وعمر الشريف، وتوالت أفلامه بعدها ووصلت إلى نحو 20 فيلمًا، أهمها «الرسالة» في دور «أبو سفيان» مع المخرج مصطفى العقاد.

ويحتفظ سجله بعدد من الأفلام، مثل: «بنت الليل، وصراع العشاق، والحكم آخر الجلسة»، ثم أدى دور ريتشارد قلب الأسد ملك إنجلترا في فيلم الناصر صلاح الدين، وفيلمي «التوت والنبوت» و«أرض الخوف».

قدم «غيث» نحو 60 مسلسلا، منها: «الفرسان، والشهد والدموع، والمال والبنون، وزيزينيا، والسيرة الهلالية، و'ذئاب الجبل».

رغم علامات حمدي غيث المميزة في السينما والدراما التليفزيونية، إلا أن انتماءه الأول كان للمسرح، فحصوله على دبلوم المعهد العالي للفنون المسرحية، ثم دبلوم معهد التمثيل بامتياز وكونه الأول على دفعته، رشحه لمنحة دراسية في باريس لاستكمال دراسته المسرحية، ولم تكن المرة الأخيرة التي يذهب فيها إلى فرنسا، فقد سافر أكثر من مرة للدراسة، وعاد ليخرج روائعه المسرحية مثل: «مأساة جميلة، وراسبوتين، وأرض النفاق، وست البنات».

«غيث» كان يعتز كثيرا بدوره في إثراء المسرح القومي، وكانت إحدى أمنيات عمره تقديم مسرحية «الحسين شهيدًا» لعبد الرحمن الشرقاوي قبل وفاته، ونافسه على تلك الرغبة الفنان الراحل كرم مطاوع الذي فاز بالعرض.

عمل أستاذًا بأكاديمية الفنون، وكان من مؤسسي مسرح الأقاليم عندما تولى الإشراف على مؤسسة الثقافة الجماهيرية، كما أُسند إليه منصب نقيب الممثلين لأكثر من دورة.

«شمشون الفنانين» هكذا وصفه زملاؤه لشدته في تنفيذ لوائح النقابة، كأول نقيب للممثلين يطبق لائحة النقابة علي العاملين في الوسط التمثيلي، حيث كون وقتها ما يعرف بمحاكم التفتيش علي الأعمال الفنية، والتي كانت مهمتها إحالة أي فنان لا يحمل تصريحا من النقابة إلي النيابة للتحقيق.

حصل على شهادة تقدير في عيد الفن عام 1978 ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، وعلى جائزة الدولة التقديرية للفنون في لجنة الثقافة الجماهيرية والمسرح.

كانت هناك علاقة خاصة جدًا بينه وبين شقيقه الأصغر الفنان الراحل عبد الله غيث، والتي وصفها البعض بأنها أشبه بعلاقة الأب، بدأت تلك العلاقة عندما اقترب حمدي من العاشرة حيث توفى الأب وترك الشقيقين فتولى الأكبر مسؤولية الأصغر، وكان دائما يتابعه ويهتم بشؤونه.

وقال حمدي غيث عن ذلك: «كان عبد الله قطعة مني، فقد توفي والدنا وعمره لم يتجاوز العام.. فشعرت بمسؤوليتي تجاهه وأنه ابني لا شقيقي.. حتى عندما احترفت التمثيل كان يلازمني ويقلدني وكان يقول لي إنني قدوته وكنت أشجعه وأعتقد أنه كان ممثلا بارعا وموهوبا حتى إن أنتوني كوين أدهشه أداؤه العالي أثناء تمثيل فيلم (الرسالة) في نسخته العربية».

في عام 1993، عانى حمدي غيث من أزمات نفسية حادة بعد رحيل شقيقه الأصغر، الذي سبقه بالرحيل بنحو 16 عاما، وخضع للعلاج النفسي لفترة طويلة.

وبعد رحيل عبد الله أدي حمدي دور «عباس الضو» في الجزء الثاني من مسلسل «المال والبنون» بدلا من أخيه، كما شاركا الشقيقان سويا في فيلم «الرسالة» ومسلسل «ذئاب الجبل».

كانت أخر محطاته من مستشفي عين شمس التخصصي حيث عاني رحلة مع المرض لم تطل لأكثر من ثلاثة أسابيع، عن عمر يناهز الـ82 عاما، شيعت جنازته تحديدا عام 2006 من مسجد المسرح القومي، والذي انتقل منه إلي مثواه الأخير بقرية كفر شلشلمون بالشرقية.

توفي 7 مارس عام 2006 بمستشفى عن عمر ناهز الـ82 عاما بعد إصابته بفشل كلوي والتهاب رئوي حاد وعدم انتظام ضربات القلب.