«قاهر خط بارليف»: أول لواء مدرع عبر الضفة الشرقية للقناة قبل موعده المخطط بساعتين

هي مفتاح نصر أكتوبر ومن غيرها كان صعب اقتحام خط بارليف " فتح الثغرات بالساتر الترابي  بخراطيم المياه "  الفكرة  التي أذهلت المحللين العسكريين في العالم،   فكرته  تميزت بالبساطة خطرت عليه أثناء عمله في بناء السد العالي من خلال استخدام المياه في عمليات التجريف بالسد كان يتم بهدف البناء أما الساتر الترابي فقد كان بهدف الهدم لعبور القوات  التي تعتمد على ضخ المياه وتسليطه على الساتر فتنزل الرمال وتجرفها إلى قاع القناة لفتح الثغرات لتقليل الخسائر وتوفيرا للوقت.

 فكرته مناسبة لان الساتر يقع علي الحافة الشرقية للقناة بالإضافة إلى انه مائل حيث استغل العدو وجود الكثبان الرملية القديمة وبني عليها حائطا علي الضفة الشرقية للقناة ليفقدنا طموحات العبور, وجاء استخدام الماء من القناة تحت الساتر الترابي مباشرة وذلك يعتبر أفضل استخدام لأدوات مسرح العمليات، أما في السد العالي فقد استغرقنا عدة سنوات في البناء بينما في الساتر الترابي العملية لم تستغرق سوي ساعات قليلة حيث أزالت القوات المسلحة كل المعوقات التي وضعها العدو وتحققت المهمة بنجاح هذا ما أكده اللواء باقي ذكى يوسف في حواره التالي
 
متى التحقت بالقوات المسلحة وهل شاركت في حرب الاستنزاف ؟
 تخرجت من كلية الهندسة قسم الميكانيكا بجامعة عين شمس عام 1954  ثم  التحقت بالقوات المسلحة  وعندما جاءت المعدات الروسية الثقيلة لبناء السد العالي  فطلبوا ضباطا لهذه المعدات وكنت بالطاقم الذي جاء وكنت مسئولا عن جراج الشرق الذي يتكون من 500 سيارة قلاب دنهر و2000عامل و80 خبير روسى بالعمل بنظام ثلاث ورديات ومكثت 3 سنوات حتى تم ترقيتي إلى مقدم , وعقب 5 يونيه  1967رجعنا للقوات المسلحة وعملت رئيسا لفرع المركبات لإحدى الفرق بنطاق الجيش الثالث الميداني وكانت مهمتي إصلاح وصيانة السيارات,  وكنت أرى أمامي من الجانب الشرقي للقناة خط بارليف وعمليات الحشد من الأسلحة الحديثة والذخيرة ومصاطب الدبابات  ناظرا إليه متعجبا واردد فى نفسى " أه لو كان موجود في أسوان لكنا نسفناه بالميه " وهو نموذج لعمليه بناء السد العالي
 متى بدأت حكايتك مع الساتر الترابى ؟
بدأ التفكير عندما أخذنا أوامر بالعبور في مايو 1969 مع التدريب الشاق على اقتحام خط بارليف الذي أقامته إسرائيل  بطول 21 مترا  بطول 7 ادوار وبعمق 12 مترا بطول 4 ادوار  وبزواية انحدار 80 درجة  وعندما صدرت الأوامر باقتحام الساتر الترابي والتغلب عليه في نهاية أكتوبر 1969 جمعنا اللواء سعد عبد الكريم زغلول قائد الفرقة وابلغنا بالمهمة وتحدث كل منا وأدلى بدلوه بعرض طبيعة الساتر والتجهيزات القتالية والطرق التي  يحتاج إليها من " القنبلة الذرية والصواريخ والنيران والمفرقعات بماد ة " توربيد البنجلور " وخرجنا بان نتائج هذه الاقتراحات الخسائر تصل إلى أكثر من 20% بالصفوف الأمامية وفتح الثغرات تحتاج من 12 إلى 15 ساعة
متى بدأت عرض فكرتك ؟
بعد كل هذه الاقتراحات بدأت أفكر فيها وبعد الانتهاء منها  رفعت يدي طالبا الحديث فرد على اللواء سعد وقال " لى مالك آنت ... هتتكلم في الأخر عن المركبات .... فرددت عليه ... أنا هتكلم عن فتح الثغرات " فرد على العقيد طلعت مسلم انذاك " خلينا نسمع المقدم  باقي هيقول لينا ايه " فقلت يا فندم أنا سمعت كل ما يتعلق بالساتر الترابي لكن ممكن نجيب طلمبات خاصة كابسة ويتم وضعها على زوارق خفيفة بالقناة وتقوم بسحب المياه من القناة وتعيد ضخها على الساتر الترابى بأماكن الثغرات وهذا يساعدنا من درجات الارتفاع والانحدار على إنجاز المهمة لفتح الثغرات فور تحرك الرمال التي ستنزل من القناة ومع عملية الاستمرار في ضخ المياه ستتم عملية الفتح بعمق الساتر .
ماذا حدث بعد ذلك ؟
وجدت صمتا من كل الحاضرين "هس هس"  وشعرت باننى خرقت فى الكلام  وحبيت قطع سكوتهم فقلت لهم " دا الكلام  عملناه فى عملية بناء السد من خلال التجريف " وبدا قائد الفرقة يشعر بالدراسة واقتنع بالفكرة وبعد الاستماع للفكرة ومناقشتها  طلب اللواء زغلول اللواء أ.ح طلعت حسن على قائد الجيش الثالث  أحنا بندرس الموضوع وعندى ضباط قال فكرة ويهمنى أنك تسمعها منه فرد عليه قائلا " هاته وتعاللى  الصبح  "
ماذا حدث عندما ذهبت لقائد الجيش الثالث ؟
ذهبت اليه مع قائد الفرقة وعندما دخلت عليه قلت له " هاتكلم عن طريقه لفتح الثغرة "  فطلب اللواء طلعت  رئيس فرع المهندسين فحضر وشرحت له قائلا أن القوات لا يصح أن تنتظر من 15:12 ساعة، والتجارب التقليدية تقول إن الخسائر تبلغ 20٪ في الصفوف الأمامية  والفكرة تعتمد على تقليل الخسائر بوجود " طلمبات ماصة كابسة مثبتة على زوارق خفيفة"  والزمن المتوقع لفتح الثغرات هو 4 ساعات  وسألني قائد الجيش عدة أسئلة وبعدها تحدث إلى  نائب رئيس هيئة العمليات اللواء ممدوح جاد التهامى  وأخبره بالفكرة فسأله "من هو الضابط" فقال له هو من الفرقة 19 مقدم اسمه باقي زكي يوسف  فرد اللواء ممدوح الضباط  ده مابيهزرش.. خليه ييجي لي على طول"
هل ذهبت لشرحها لهيئة العمليات ؟
نعم ذهبت لشرح الفكرة أمام اللواء التهامي  والذي استمع إلى الفكرة، وبعد أن انتهيت، ضرب بيديه فرحًا حتى وقعت بلورة زجاجية على الأرض  وقال لي في انفعال  " أيوه يابني ما تجيش إلا بغير كده " فاتصال باللواء جمال محمد على مدير إدارة المهندسين العسكريين فعرضت عليه الفكرة  وطلب سماعها مرة أخرى  وحضر الرائد شريف مختار قائلا " كل هذا عملناه فى السد العالي  بالرمل من خلال التجريف "  وبعدها ذهبت على الفور إلى السد العالي وقمت بآخذ كل ما يتعلق بعملية التجريف من  الخرائط واللوحات  لعرضه على اللواء زغلول قائد الفرقة  وطلب منى تقريرا لهذه الفكرة التي تساعد على نسف الساتر الترابي بمضخات المياه لعرضها على الرئيس جمال عبد الناصر وعلى الفور أصدر لأوامر بدخولها حيز التنفيذ وعدم التحدث في هذا موضوع الفكرة نهائيا
هل تم عمل تجارب عليها ؟
تم عمل العديد من التجارب عليها بمناطق متنوعة لطبيعة التربة وقبلها تم عمل التجربة  في يناير 1972فى جزيرة البلاح داخل القناة على ساتر طبيعي مكون من أعمال التطوير والتوسع التي كانت تتم بالقناة وتم فتح الثغرة في 3 ساعات ونصف الساعة  ومن وقتها تم إقرار استخدام المياه المضغوطة في فتح الثغرات بالساتر الترابي
هل تتذكر يوم 5 أكتوبر وهل كنت على معرفة بساعة الصفر واستعادة الأرض؟
لا أحد كان يعرف ساعة الصفر إلا القادة الكبار ثم الأقل فاقل
وماذا حدث يوم 6 أكتوبر ؟
في يوم النصر أستطاع الجندي يقهر المستحيل بتحطيم خط بارليف المنيع وفى الساعة 65 مساءا تم فتح أول ثغرة وفى الساعة العاشرة  تم فتح 60 ثغرة على طول امتداد الضفة الشرقية للقناة بما يساوى نزول 90 ألف م2 رمل من القناة وكان الساتر الترابي منخل  وفى الساعة 8,30  ليلا كان عبور أول لواء مدرع من الضفة الشرقية للقناة قبل موعده المخطط  بساعتين  وهذا اليوم كان مشهد عظيما  قائلا" إن الذي حارب الجندي المصري في 73 لا يمكن أن يرفع سلاحه مره أخرى في وجهه لأنه يعرف مصيره".
ما الموافق التي تتذكرها خلال حرب أكتوبر ؟
الموافق عديدة وأفضلها كلمة الله اكبر التي  خرجت من " المسلم والمسيحي " لعوده أرضه التي أخذت بالقوة بدون أن يحارب واستردها بقوته وثقته فى الله وقيادته العسكرية ,  وكنت فخورا بما قاله اللواء زغلول " انت يا باقى أدتنا الطفاشة اللى فتحت بوابة مصر للنصر " فانتفض جسمي  من قائد فرقة عرض الفكرة لقائد جرئ وقوات مسلحة حافظت عليها ونفذتها لاسترداد أرضننا
ما هي أهم الأوسمة والناشين التي حصلتم عليها ؟
حصلت على نوط الجمهورية العسكري من الدرجة الأولى من الرئيس الراحل  أنور السادات في فبراير عام 1974 عن أعمال قتال استثنائية تدل على التضحية والشجاعة الفائقة في مواجهة العدو بميدان القتال في حرب أكتوبر 1973، كما حصلت على وسام الجمهورية من الطبقة الثانية من الرئيس  السابق حسني مبارك عام 1984