فى الصميم

عندما قال عبدالناصر: المهم أن تبقى سوريا

رحم الله جمال عبدالناصر الذى تحل ذكرى وفاته بعد أيام، كانت الأمة العربية كلها تقف وراءه عندما وقع الانقلاب على الوحدة السورية - المصرية فى مثل هذه الأيام قبل خمسة وخمسين عاما. كان الانقلاب كما اعترف مدبروه بعد ذلك بدعم وتمويل خارجى. وكانت الأغلبية الساحقة من شعب سوريا ومن جيشها تقف مع الوحدة. ومع ذلك أوقف عبدالناصر أى تحرك عسكرى لإعادة الشرعية والانتصار للوحدة، عندما أدرك أن قوى كبرى مستعدة لتدمير سوريا لمنع عودة الوحدة، ويومها قال عبدالناصر قولته الشهيرة «ليس المهم أن تبقى سوريا جزءا من الجمهورية المتحدة.. لكن المهم أن تبقى سوريا».
أتذكر ذلك وقد تحولت سوريا الشقيقة إلى ميدان للحروب بالوكالة، والصراعات بين القوى العالمية والاقليمية التى أطلقت قوى الإرهاب، ولم تترك بابا لتدمير الدولة إلا وطرقته.
كانت الأيام الأخيرة قد حملت بعض الأمل فى انقاذ ما تبقى من الدولة العربية الأساسية بعدما أصابها من دمار. جاء اتفاق الهدنة مع عيد الأضحى ليفتح باب التوافق بين الروس والأمريكان. أدرك الجميع ان باقى اللاعبين مجرد «كومبارس» فى لعبة الأقوياء. وتفاءل الكثيرون عندما هدأت المعارك بعض الشىء، وبدأ الحديث عن الهدنة وعن التعاون العسكرى المشترك الذى سيتم بعد ذلك بين الروس والأمريكان لضرب الجماعة الإرهابية وتمهيد الطريق للتفاوض الجاد بين النظام والمعارضة الوطنية على حل سياسى ينهى مأساة الشعب السورى الشقيق.
وفجأة.. بدأت نذر التراجع الأمريكى عن الاتفاق. وبدأ الحديث عن خلافات فى الإدارة الأمريكية وتحميل وزير الخارجية كيرى مسئولية تقديم تنازلات جوهرية للروس. ورفضت واشنطن الكشف عن نصوص الاتفاق لا لحلفائها الأوروبيين، ولا أمام مجلس الأمن.. لينتهى الأمر بضربة جوية أمريكية غير متوقعة لقوات الجيش السورى.
قالت روسيا انها ضربة متعمدة، بينما قال الأمريكان انها مجرد «خطأ» أودى بحياة العشرات من الجنود السوريين تحت زعم أن الغارة كانت تستهدف «داعش» التى لم تضربها الطائرات الأمريكية فى سوريا منذ بداية الحرب وحتى الآن!!
انقلب التوافق المؤقت إلى صراع علنى بين روسيا وأمريكا لن يقتصر بالتأكيد على مصير سوريا، بل سيشمل المنطقة كلها إذا استمر التصعيد بين الجانبين. وما ينبغى الوقوف عنده هنا هو ما قاله وزير الخارجية الأمريكى كيرى عند الإعلان عن الاتفاق الأخير مع روسيا، وهو أن هذه هى الفرصة الأخيرة للحفاظ على وحدة سوريا.. وها هى الفرصة تضيع، وتأخذ معها سوريا إلى حيث يتم استكمال مخطط تدمير الدولة وفرض التقسيم عليها.
والكارثة أن بعض العرب وبعض الدول الاقليمية تتصور ان تقسيم سوريا هو النهاية التى تريحها، بينما هو البداية لكارثة لن ينجو منها أحد فى المنطقة!!
رحم الله عبدالناصر، ولتلحق اللعنة بكل من تناسى الحقيقة الأساسية وهى ان «المهم أن تبقى سوريا»!!