إسرائيل الأمريكية .. أمريكا الإسرائيلية

يحدث فى مصر الآن

أرجو ألا تكون زحمة الأخبار قد مكنت الخبر الخطير الذى حدث الأربعاء الماضى ونشر باقتضاب فى صحف الخميس الماضى من أن يتوه بعيداً عن الأعين وألا تتم متابعته بالقدر المطلوب من اليقظة والانتباه.
وقبل الخبر أقول إننى لا أفرق بين الولايات المتحدة الأمريكية والعدو الإسرائيلى. لا من حيث التوجه ولا المشروع ولا الأهداف. فعلى الرغم من أن أجيالاً فى مصر خرجت للحياة وهى تعيش على النمط الأمريكى. وكثير من المصريين يحلمون بالهجرة إلى أمريكا. ويكفى منظر السفارة الأمريكية بالقاهرة فى اللحظات الأولى من الصباح والطوابير تقف فى انتظار فرصة الحصول على تأشيرة الجنة.
حملت لنا الأخبار أن الرئيس الأمريكى باراك أوباما قال بعضمة لسانه ان هدف الاتفاقية الجديدة الحفاظ على أمن إسرائيل لأنها توجد فى منطقة خطرة. وأن الخطر يحيط بها من كل جانب. طبعاً لم يتحدث رئيس أكبر دولة فى العالم عن الخطر الذى تمثله إسرائيل. والتهديد الذى تعلنه إسرائيل كل صباح للمنطقة كلها. وليس لجيرانها المباشرين فقط.
الاتفاقية تقضى بأن تقدم أمريكا لإسرائيل 38 مليار دولار على مدى 10 سنوات تبدأ من سنة 2018. وذلك فى أعقاب اتفاقية استمرت لمدة 10 سنوات. قدمت أمريكا بموجبها لإسرائيل 30 مليار دولار. ورغم أن أوباما قال ان الاتفاقية الجديدة تمنع أى جهة أمريكية من أن تقدم أموالاً أخرى لإسرائيل. إلا أن الكونجرس أعلن فى نفس اليوم تقريباً عن تقديم خمسة مليارات دولار لإسرائيل وذلك من أجل تطوير برنامجها الصاروخى.
خرجت إسرائيل لتقول ان هذه الاتفاقية يجرى التفاوض بشأنها على مدى عشرة أشهر سابقة. وأن التفاوض جرى بتكتم شديد. وسألت نفسى بسذاجة مفرطة كيف لم تعرف دولنا وأجهزتنا الأمنية وسفاراتنا المنتشرة فى كل مدن الولايات المتحدة الأمريكية بخبر هذه المفاوضات. وكيف تمكن الشيطان الأمريكى وحليفه الشيطان الصهيونى من إتمام هذا الاتفاق بعيداً عن أى معرفة وعن أى متابعة؟!
لا يتصور أحد أن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية كانت تبدو أمامنا سمناً على عسل. فقد تحفظت أمريكا فى الفترة الأخيرة أكثر من مرة على بناء مستوطنات إسرائيلية جديدة فى فلسطين المحتلة. وتحفظت أكثر من مرة على ما يعلنه نيتانياهو فى كل خطاب له عن التوسع فى إنشاء المستوطنات مستقبلاً. ويبدو أنه تحفظ متفق عليه بينهما.
كنت أتصور أن الحزبين الأمريكيين الكبيرين لا بد أن يختلفا حول أى قضية من القضايا ولو لمجرد الرغبة فى الاختلاف. وهذا موجود فعلاً إلا عندما يقترب الأمر من العدو الإسرائيلى. فبعد هذا الاتفاق قالت وسائل الإعلام ان الحزبين متفقان حول دعم إسرائيل رغم خلافاتهما فى كل شىء.
قمة المأساة أن يخرج المعلقون السياسيون ومعظمهم من الأشقاء العرب الذين يعملون فى مراكز الأبحاث الأمريكية. أحدهم كانت لديه الشجاعة ليقول ان فى أمريكا ولايات فقيرة. بل وتحتاج إلى هذه المساعدات أكثر من إسرائيل. والولايات المتحدة لا يعنيها الولايات التى لا تجد قوت يومها وتسارع لتقديم ما لديها من الأموال لإسرائيل حتى دون أن تطلب ذلك.
الصلف والغرور الصهيونى يجعل الدولة العبرية تعلن أن نيتانياهو لن يوقع على هذه الاتفاقية الجديدة إلا قبل تنصيب الرئيس الأمريكى الجديد. لأن أوباما الذى اختتم حكمه لأمريكا بهذه الفضيحة المدوية ليس من حقه أن يوقع عليها.
ليس هدفى من هذه الكتابة إثارة الرعب. وتخويف الناس من العدو الإسرائيلى. وتحويله إلى كيان يتحكم فى الدنيا وكل ما فيها. فنحن لدينا قدرة فريدة على التصديق أن هؤلاء الناس يتحكمون فى المال والإعلام. وهما عصب الحياة التى نحياها. وحتى إن كان هذا صحيحاً. فأنا أعتقد أن المحنة تكمن فى النظام الأمريكى. لا أقول الحضارة الأمريكية. فهم لا حضارة لديهم. ولكن نظام حياة يكاد يخلو من أى بعد أمريكى.
ولنا فى التاريخ ملاذ وعبرة. فعندما طلب عبد الناصر من البنك الدولى تمويل إنشاء السد العالى. وكانت أمريكا أكبر مساهم فى البنك. فإن أمريكا أرسلت له من يحمل إليه رغبتها فى أن يفكر فى الاعتراف بالعدو الصهيونى تمهيداً لإقامة علاقات دبلوماسية معه. طبعاً رفض عبد الناصر وأوصلته حكمة التاريخ ومكره لتأميم قناة السويس ليتمكن من إنشاء السد العالى.
هل تغير شىء فى معطيات الصورة؟ نعم، نحن الذين تغيرنا. لأنه بعد إعلان الصفقة لم يتحرك عربى واحد للتعبير عن رفضها. ولم تفكر حكومة من الحكومات العربية - وما أكثرها - فى القول لأمريكا ان ما تقوم به جاوز حتى حدود العقل. أخشى ما أخشاه أن بعض الحكومات العربية ربما هنأت إسرائيل سراً. وحملت التهانى لأمريكا علناً بهذا الاتفاق الجديد الذى ليس له معنى سوى اغتيال ما تبقى من الشعب الفلسطينى بعد أن تعرض لما تعرض له منذ 1948 حتى الآن.