حمال الأسية.. ولكن!!

فى الصميم

قضيتان أساسيتان ومترابطتان، لابد من التعامل معهما بكل سرعة وبكل جدية.
القضية الأولى هى هذه الفوضى التى تجتاح الأسواق والغلاء الذى يطحن الغالبية العظمى من المواطنين، بعد ان انضمت الطبقة الوسطى إلى محدودى ومعدومى الدخل فى المعاناة من الارتفاع المتواصل فى الأسعار.
زمان.. كنت أنتقد «الهوجة» التى تثور اذا ارتفعت أسعار اللحوم. وكنت أكرر أن الأهم هو ان ننتبه لسعر ساندوتش الفول وطبق الكشرى وكوب اللبن الذى يجب توفيره لأطفالنا. اما اللحوم فقد خرجت من اهتمامات الفقراء ومحدودى الدخل منذ زمن طويل. والآن تخرج معها العديد من السلع الاساسية.. فى ظل غلاء يتصاعد وأسواق تجتاحها الفوضى.
على الورق.. تقول الحكومة (وهى صادقة) ان اكثر من خمسين سلعة اساسية لم تخضع لضريبة المبيعات وبالتالى لم ترتفع أسعارها.
فى الواقع.. فإن لهيب الأسعار تكتوى به الاغلبية  من المواطنين التى يعلم الله كيف تدبر أمورها وسط غلاء لا يرحم، ومع فوضى فى الأسواق تختفى فيها السلع بأمر اباطرة الفساد، وتتحدد فيها الاسعار على يد قلة من المحتكرين، ولولا الجهود التى قدمتها المجمعات الاستهلاكية (التى كانت رهن البيع قبل سنوات!!) واجهزة الخدمات التابعة للقوات المسلحة فى توفير بعض السلع الاساسية.. لكن الوضع أسوأ بكثير!!
القضية الثانية ترتبط بكل ما قلناه سابقا. وهى ان قدرة هذا الشعب العظيم على التحمل من اجل الوطن هى حقيقة اساسية،  لكن هذه القدرة لابد أن تتهيأ لها الظروف المناسبة.. فتكون الرؤية واضحة، ويكون الأمل راسخا عند الجميع بان الغد أفضل، وان تضحياتهم لن تذهب لجيوب الفاسدين واصحاب الاحتكارات والسماسرة كما حدث قبل ثورة يناير!!
«حمال الأسية» وصف يليق بشعبنا العظيم الذى قدم ـ على مدى تاريخه ـ كل التضحيات لكى يبنى الوطن ويحمى اراضيه ويعبر به من أزماته. لكن ينبغى ان يكون واضحا ان الأمر مرهون بتوزيع عادل للأعباء يجعل الاثرياء يتحملون الجزء الاكبر من هذا العبء.. بدءا من الضرائب التصاعدية والضريبة على الثروة، وحتى الحساب الدقيق لمن يتحايل على الدولة او يعبث بقوت الشعب أو يعيث فى الاسواق فسادا وهو مطمئن الى ان اقصى ما يناله من عقاب اذا ضبط متلبسا بجرائمه، هو ان يضطر للتصالح ورد ما سرق فى هذه الواقعة وحدها.. ليعود من جديد لممارسة جرائمه!!
أوضاع عديدة تحتاج للمراجعة، حتى نستطيع عبور طريق الاصلاح الصعب الذى يحتاج ـ قبل أى شيء ـ إلى دعم الغالبية العظمى من المواطنين الكادحين الذين يعانون من وحش الغلاء ومن فوضى الاسواق ومن توحش احتكارات لا يهمها إلا مضاعفة ثرواتها ولو بضرب الصناعة الوطنية وسحق الفقراء واستغلال الظروف الصعبة لفرض السياسات التى تخدم مصالحهم!!