أوراق شخصية

خطر يهدد اقتصاد الدولة!

أستكمل معكم رحلة البحث عن العدالة الناجزة، تلك العدالة المفقودة بين دهاليز الروتين وصدأ القوانين، وأقدم عبر السطور التالية رؤية بعيون خبير يعرف بيت الداء ويشخص الدواء، من خلال رسالة تضيء العديد من جوانب تلك القضية، للأستاذ عاطف لبيب النجمي المحامي بالنقض، ورئيس منظمة الدفاع العربي يقول فيها: أتابع باهتمام ما سطر قلمك، وما نقلتيه من رسائل عن موضوع العدالة غير الناجزة وفي البداية أسجل شكري لتناولك هذه المشكلة.

 وأسجل أيضا أن السبب الأساسي والوحيد  لوجود عدالة غير ناجزه ، ترسانة قوانين عافي عليها الزمن ، وأخري مطاطة تحمل الأبيض والأسود والرمادي، وكان وراء هذه التركيبة من الألوان المستشار السنهوري في صراعه مع جمال عبد الناصر، مما دعا ناصر للقول: «لو أخذنا برؤيتك لصرت أنا غير دستوري»، وراح  السنهوري يلتف علي هذا الموقف بصنع قوانين  تجعل الشعور بالاحتياج للقاضي، أكثر أهمية عند المواطن من احتياجه للسلطة التنفيذية، وبات المواطن في رعب من المساحة الممنوحة للقاضي كسلطة تقديرية تجعله بحكمه خارج التوقعات أو الحساب بوحدة القياس علي نص محدد!

كما أسجل لأنك وبهذا التناول تضعين أول خطوة في طريق حل المشكلة لنصل لعدالة ناجزة، لأن الإعلام بتناول صحيح للمشكلة يساعد في حلها، وفي هذا الإطار أصحح بعض ما ورد بالمقال السابق فيما يتعلق بأن المحامي والقاضي يقبلان العدالة غير الناجزة، والصحيح عكس ذلك فالعدالة غير الناجزة تدمير لاقتصاد المحامي، ولنا أن نتصور مبلغ ألف جنيه أتعاب في قضية يعمل بها ثلاث سنوات! هذا غير مصاريف حضور الجلسات، ومرتبات موظفين ومحامين، أما في العدالة الناجزة فان القضية تنتهي في ثلاثة اشهر، وتكون المحصلة ألف جنيه، كما أن القاضي يتم تقييم أدائه بعدد الأحكام التي يصدرها فاذا كانت القضايا تدفع في اتجاه الحكم فيها بسهولة ويسر عبر قوانين محددة فالقاضي مستفيد بما يسجل له من عدد الأحكام التي أصدرها.

إن العدالة غير الناجزة مرجعها القوانين التي وضعت يوم كان القاضي يكتب علي جلد الماعز ليثبت بحكم وشهود أن فلانا توفاه الله وترك ورثة فلان وفلان، فهل نحن في حاجه لينظر القضاء الإعلام الشرعي؟!أم أن مصلحة الأحوال المدنية قادرة علي هذا حتي نخفف من القضايا التي تشغل القضاء دون مبرر، ونضيف صحة التوقيع فهي في كل دول العالم خارج دائرة التقاضي، وفي الدول العربية تتم أمام كاتب عدل ،وفي غيرها أمام موثق.

 ولضيق المساحة ألخص بأن العدالة غير الناجزة خطر يهدد اقتصاد الدولة والمحامي والمتقاضي، ولا حل إلا بتعديل القوانين وإلغاء بعض القضايا من أمام القضاء، وميكنة المحاكم ليتمكن المحامي من إقامة الدعوي وسداد رسمها والحصول علي رقمها وموعد نظرها والدائرة عن طريق كمبيوتر مكتبه ، المرتبط بكمبيوتر المحكمة، والأخير متصل بكمبيوتر القاضي لتكون أوراق الدعوي فور رفعها أمامه ، ويصل العلم بها للخصوم في لحظتها دون الخضوع لتحايل وألاعيب المحضرين ، ولن يكلف ذلك وزارة العدل مليما واحدا، فشركات البرامج تصنع ذلك برسم يسدده المتقاضي والمحامي، وتسدد الشركة منه جزء لوزارة العدل.

وفي قانون محكمة الأسرة يجب توفير ما يسدد للخبراء شركاء المحكمة في الانعقاد شكلا فقط، فكل هذه التعديلات كانت وبالا علي المتقاضي، وخصما من ميزانية الوزارة، وفي النفقة الزوجية تعدل القوانين لتحصل المطلقة علي نسبه من الراتب في جهة عمل زوجها بقسيمة الطلاق، لحين الفصل في دعوي النفقة، وبالنسبة لغير المطلقة فلابد من رفع القيمة التي تسدد لبنك ناصر عند الزواج، ليسدد وفقا لما يتفق عليه من قيمة في القانون إلي أن يفصل في دعوي النفقة، ولا رؤية لرجل لا يسدد النفقة، ولا نفقه لسيدة تحجب عن الأب رؤية الأبناء.

ولا يجوز نظر القضايا المتكررة كرصيد الاجازات، وقد علمت أن وراء التقاضي بشأنها بطرس غالي يوم كان وزيرا للمالية ،بحجة كسب وقت لتدبير الأموال، وكنت في اجتماع بحضور دكتور مفيد شهاب وجمال مبارك واقترحت أن تصدر الدولة شيكات حكومية مؤجلة السداد لعام ،ونريح القضاء من هذه القضايا ،فضحك أحدهما وقال: لكن هذا ليس في مصلحتك كمحام، قلت أقبل للمصلحة العامة ،فلا يجوز أن تكون الخصومة مع الدولة متكررة في موضوع محدد، ويقيم كل مواطن دعوي مستقلة يشغل بها القضاء، وإنما يصبح الحكم حجية علي كل الحالات المماثلة فحكم بتركيب عداد بوحده في عمارة يكفي لتركيب العداد لكل الوحدات ولا حاجة ليقيم الف ساكن بعمارة ألف قضية !!

لدينا الكثير في هذه القضية، وذلك فيما يتعلق بالاستئناف وشروطه وتشابه الأسماء في التنفيذ وغيرها، ولكن المساحة لا تكفي سوي بهذا القدر، ونكمل لو أتحتم فرصة أخري.