قضية ورأي

الدراما التليفزيونية والإعلانات

كثرت الشكاوي من مشاهدي مسلسلات الدراما التليفزيونية في شهر رمضان المبارك ولم تكن هذه الشكاوي من مستوي الدراما نفسها ولكن من كثرة الاعلانات بين كل مشهد أو مشهدين خاصة في المسلسلات التي يقوم ببطولتها كبار النجوم عادل إمام ومحمود عبدالعزيز ويحيي الفخراني. وكان تبرير الشكوي هو نسيان ما قبل وما بعد الاعلانات من أحداث. وطالب الكثيرون بالتخلص من هذه الإعلانات اللعينة أو علي اضعف  الإيمان بتخفيفها بقدر الامكان كما كان يحدث من قنوات التليفزيون المصرية أيام الأبيض والأسود وربما الآن فأنا لست متأكدا لانني مثل غيري من ملايين المشاهدين لا يقتربون من قنوات التليفزيون المصري.

وبالطبع لا يدرك اصحاب الشكوي ان قلة الإعلانات تعني قلة ايرادات القنوات التليفزيونية وان التخلص منها تعني إفلاس وخراب هذه القنوات الا إذا اعتبرت قنوات خدمات أو أنها لا تنفق اموالاً كبيرة في» شراء هذه المسلسلات. والشييء المضحك ان هناك من الكتاب والنقاد يهاجمون مبدأ الإعلانات وبالطبع يعتقد اليساريون منهم أنها نتيجة للنظم الرأسمالية. وللأسف قرأت مثل هذا الرأي لاحد كتاب الدراما. هل كان لا يعلم أنه عندما كان يستطيع أن يسوق اعماله إنما كان يحصل علي أجره من الإعلانات وأن الذي أفلس التليفزيون المصري إلي جانب سوء الإدارة هو قلة الإعلانات التي يحصل عليها لبرامجه.

الإعلانات للأسف هي شريان الحياة بالنسبة لقنوات التليفزيون. وارتبطت الدراما التليفزيونية منذ نشأتها في أمريكا بالاعلانات التي تقوم بتمويل البرامج.. وكان من يقرأ أحد النصوص الدرامية التليفزيونية فإنه يجد للمكان الذي سوف يتم فيه تقديم الإعلانات. وليست الإعلانات بهذا الحشد مثلما يحدث عندنا وفي المنطقة العربية وإنما أقل  بكثير وذلك للارتفاع الضخم للاجر الذي يقدمه صاحب السلعة المعلن عنها حيث يكفي في كل فترة إعلانات ان يقتصر الامر علي ثلاثة او أربعة إعلانات بملايين الدولارات، اما عندنا فالامر مختلف خاصة وأن كل قناة تعرض عدداً من المسلسلات يحتاج الي كم كبير من الاعلانات حتي يمكن تغطية ثمن شراء هذه المسلسلات.

وهناك سؤال نحب ان نطرحه علي اصحاب هذه الاعلانات وهو هل يشاهد جمهور المسلسلات هذه الاعلانات بالفعل؟ وهل تأتي طريقة عرضها بالنتيجة المرجوة؟ الذي يحدث غير ذلك حيث يقوم المشاهد باستخدام الريموت كنترول والانتقال الي مسلسل آخر إلي ان تنتهي فترة الاعلانات فيعود مرة أخري الي المسلسل الذي كان يشاهده وهكذا الأمر.

وقد يتساءل البعض عن سبب تقلص الانتاج الدرامي هذا العام الي ما يقرب من الثلاثين بعد ان كان عدد المسلسلات يصل الي الستين. وذلك لأن معظم المنتجين لم يحصلوا من اصحاب القنوات عن اموالهم من بيع مسلسلاتهم لهم.. بل اصبح من المألوف ان يخبرك أحد المنتجين بأن يدين إحدي القوات بمبلغ عشرين او ثلاثين أو أربعين مليونا من الجنيهات بل علمت ان الرقم قد يصل الي ستين مليونا. وإذا حصل المنتج علي شيكات فإنه يكتشف بأنها بدون رصيد أو أنها مزورة من ناحية التوقيع. بل اصبح من يعملون في هذه المسلسلات إما لا يحصلون علي اجورهم كاملة أو بالتقسيط الطويل الامد أو حين ميسرة. وعندما يتأمل المرء ما يحدث فإنه يجد الفن للجميع فإن صاحب الاعلان لا يسدد ثمن الإعلان لوكالة الاعلان وبالتالي لا تسدد وكالة الإعلان للقناة مستحقاتها وبالتالي أيضاً لا تسدد القناة مستحقات صاحب المسلسل.

وتحدث البعض بأن القائمين علي وكالات الاعلانات هم الذين يفرضون النجوم ونوعية الموضوعات في المسلسلات الدرامية. لكن الغريب ان المسئولين عن وكالات الاعلانات لا يشاهدون المسلسلات التي يقومون بالاعلانات عليها ولا يعلمون شيئا عن موضوعاتها وإنما يتبعون مبدأ الأضمن وهو قيمة النجم الذي يقوم ببطولة العمل مهما كان مسلسل هذا النجم تافها.

اصبحت المشكلة مثل لعبة القمار يختار المعلن نجماً كبيراً ليضع اعلانه بين مشاهد مسلسله.