يوميات الأخبار

من هيلاري إلي ترامب .. يا قلبي لا تحزن

< فتح الله جولن الذي يريد اردوغان القضاء عليه شخصية تحظي باحترام داخل المجتمع الأمريكي حيث إنه داعية للإسلام المعتدل <

في الوقت الذي انشغلت فيه وسائل الإعلام الأمريكية بمعركة انتخابات الرئاسة الأمريكية كان الحديث داخل مؤسسات البحوث الأمريكية عن الوضع المتدهور في تركيا ومستقبل العلاقات الأمريكية التركية...

وثارت تساؤلات حول إصرار الرئيس التركي أردوغان علي ضرورة قيام واشنطون بتسليمه الزعيم التركي المعتدل فتح الله جولن الذي يقيم بالولايات المتحدة باعتباره من حرض ومول حركة الانقلاب التي انتهت بالفشل...

ومع انتشار تقارير تفيد بأن جولن قد يلجأ إلي مصر تذكرت واقعة مشابهة عايشت بعض تفاصيلها خلال عملي بالولايات المتحدة.. وكان ذلك أثناء تولي الرئيس جيمي كارتر حيث رفضت واشنطون في ذلك الوقت طلب شاه إيران بالحضور للولايات المتحدة للعلاج وكان هدف الإدارة الأمريكية إرضاء جماعة الخوميني والسيطرة علي ثورة طهران والعمل علي إيجاد سبيل لإطلاق سراح الرهائن الأمريكيين المحتجزين بالسفارة الأمريكية في طهران والذين بقوا بالحجز لمدة زادت عن عام...

وفي ذلك الوقت جاءت الأنباء بأن شاه إيران سيتوجه إلي مصر والتي استقبلته بما يستحقه من تكريم... ونظراً لأنني كنت في ذلك الوقت ضيفة في أحيان كثيرة في عدد من الشبكات التليفزيونية الأمريكية فقد طلبت شبكة سي.بي.أس مني التعليق علي خبر ذهاب شاه إلي مصر وتحليل معناه وأذكر انني قلت إن شعب مصر شعب كريم ولايمكن أن يرفض طلب من يلجأ إليه بل يستضيفه ويكرمه...

وعندما سألت عما إذا كان الرئيس أنور السادات قد تناول موقف واشنطون في الاعتبار عندما استقبل الشاه في مصر وهنا قلت دون تردد: أعتقد أن الرئيس السادات قد اثبت أن لديه شجاعة لا يمتلكها الرئيس الأمريكي.

وبسرعة كان هذا التعليق المختصر موضع مناقشة بين بعض المراقبين في حين رفضت الخارجية الأمريكية التعليق عليه...

ومن الجدير بالذكر أن فتح الله جولن الذي يريد اردوغان القضاء عليه شخصية تحظي باحترام داخل المجتمع الأمريكي حيث إنه داعية للإسلام المعتدل ولديه مؤسسات خيرية عديدة في دول كثيرة بل إن لديه ١٢٠ مدرسة تقوم بتدريس صحيح الدين في الولايات المتحدة...

ومع تردد تقارير تفيد باختفاء فتح الله جولن من مقر اقامته بولاية بنسلفانيا كانت هناك تكهنات باحتمال توجهه إلي دولة من الدول السبع التي لم توقع علي اتفاقية تسليم المتهمين وهي: مصر والسودان وكندا وجنوب افريقيا والمكسيك واستراليا...

وقد قامت بعض المؤسسات المعنية بحقوق الانسان بإصدار تقارير مفزعة عن عمليات القمع والتعذيب التي يمارسها أردوغان ضد قطاعات عريضة من اطياف الشعب التركي والتي شملت الحرمان من الطعام والماء والضرب والسحل والاعتداءات الجنسية البشعة حتي علي كبار الشخصيات من الجيش والشرطة والإعلام...

ومع تمادي أردوغان في تكميم الأفواه وقيامه بإغلاق أكثر من 130 مؤسسة صحفية وتليفزيونية قام بان كي مون سكرتير عام الامم المتحدة بالاتصال هاتفياً بوزير الخارجية التركي داوود أوغلو وأعرب عن تعاطفه مع حكومة تركيا وطلب علي استحياء معلومات جديدة عن التحقيقات والتدابير الراهنة لمحاسبة المسئولبن عن المحاولة. وكان البيان الذي صدر عن الامم المتحدة بشأن الأوضاع المتردية في تركيا اسلوبا دبلوماسيا لايجاد توازن تجاه وقائع لا تستحق إلا الشجب المطلق وليس مجرد إبداء القلق المعتاد.

وقبل تناول ما يمكن أن يترتب علي العلاقات الامريكية التركية من تبعات  لمحاولة الانقلاب التي افلت منها اردوغان أريد أن أنبه هنا الي مدي حقد اردوغان علي مصر وشعبها الذي ساند جيشه للاطاحة بأتباعه من الإخوان المسلمين.

ومن المعروف أن اردوغان لم يتمكن من الوصول الي أنقرة لعدة أيام ولأسباب غير واضحة حتي الآن ولكنه وقف ليحرض مؤيديه علي الاعتداء علي الجيش وكان من المضحك أن يقول لهم «إن شعارنا هو شعار رابعة» ورفع أصابعه الأربعة.. أعتقد أن «رابعة» اسم للميدان المواجه لمسجد رابعة العدوية بمدينة نصر وليس موقعا تركيا ولكنه الحقد..!

وكانت واشنطن قد ترددت في تقييم الوضع في تركيا الا أنها وبعد أن أدركت انها فشلت حتي في حماية قائد قاعدة انجرليك الأمريكية وهو جنرال تركي الجنسية ويوجد في تركيا 20 قاعدة ومركزا امريكيا عسكريا لجمع المعلومات، قامت واشنطون بإعلان مساندتها لحكومة اردوغان وأكدت أهمية العلاقات الاستراتيجية بين البلدين.. وجاءت هذه المساندة بعد أن أعلن اردوغان أن واشنطون متورطة في هذا الانقلاب الذي دعم حكومة موازية يمولها جولن لتفتيت الحكومة الحالية.. وأمام استمرار العبث التركي حذر وزير الخارجية الامريكي جون كيري من ان استمرار عمليات القمع التركية قد تكون مخالفة لمتطلبات دول حلف شمال الاطلنطي بشأن احترام الديمقراطية. ولوح كيري بإمكانية اعادة النظر في علاقات تركيا بحلف شمال الاطلنطي.. ويستبعد المراقبون أن تقوم واشنطون بتسليم جولن لتركيا حتي بعد أن تسلمت عريضة اتهام تركية تصف جولن بأنه أسامة بن لادن جديد.

الانتخابات والقضية الفلسطينية

مع كل انتخابات للرئاسة الامريكية يقوم الخبراء والمراقبون في منطقة الشرق الاوسط بتحليل مواقف المرشحين والحديث عن امكانية التفاهم والتوصل الي حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية الاسرائيلية والتي لا يوجد خلاف حول انها المحور الرئيسي لكل ما حولنا من اعمال عنف وعدم استقرار.

ولكن الشيء  الذي لابد لنا أن ندركه هو أن الانتخابات الامريكية وإن كانت تحظي باهتمام عالمي فإنها عملية سياسية تخص الشعب الأمريكي.... وأن ثوابت الاستراتيجية الأمريكية مازالت كما هي ولم تتغير علي مدي عشرات السنين.

ولكن الشيء الذي يتغير هو اسلوب التعامل فقط وبرنامج عمل أو خطة أي من الحزبين الجمهوري والديموقراطي هو وسيلة لجذب الناخبين ومع غياب أي جماعة ضغط عربية فاعلة ونظراً لاهتمام جماعات الضغط اليهودية كانت هناك مزايدة فيما بين الحزبين لابداء الولاء لاسرائيل.

وقام الحزب الديموقراطي الذي تمثله هيلاري كلينتون في الانتخابات الحالية بحذف الإشارة إلي إقامة دولتين:  دولة فلسطينية ودولة اسرائيلية كأساس لحل المشكلة الفلسطينية وأكد أن القدس ستبقي العاصمة الأبدية لاسرائيل.

 وهو نفس ما ورد في برنامج الحزب الجمهوري الذي يمثله دونالد ترامب أي أن هناك اتفاقا تاما علي أهمية دعم ومساندة اسرائيل.

وإذا كانت إدارة اوباما قد امضت 8 سنوات في محاولة التوصل الي التقدم ولو خطوة واحدة لاقرار السلام فقد وصلت إلي طريق مسدود خاصة بعد تصريح وزير الخارجية جون كيري بأن القضية الفلسطينية «قضية أبدية» وهو ما يعني انها ستستمر.. وعندما حاول احد الصحفيين الحصول علي تعليق من المتحدث الرسمي باسم سكرتير عام الامم  المتحدة بشأن تصريح كيري كان الرد: بأن الأمم المتحدة لا تعلق علي تصريحات وزراء الخارجية».

وإذا كانت جهود الخارجية الأمريكية وإدارة اوباما قد وصلت إلي طريق مسدود فإن ماكينة التصريحات مازالت تعمل بنشاط حيث صدر مؤخراً تصريح امريكي يعرب عن القلق لاستمرار اسرائيل في القيام بفعاليات تثير الشكوك حول التزام اسرائيل بحل سلمي متفاوض عليه مع الفلسطينيين وجاء التصريح بعد اعلان الحكومة الاسرائيلية ببناء ٧٧٠ وحدة استيطانية جديدة عند المحيط الجنوبي للقدس الشرقية المحتلة.

أي أن التصريحات والقلق مستمران أما أي تحرك فهو أمر غير وارد..

وقد ذكرني ذلك بما جري في عهد الرئيس بوش الأب عندما اعلنت اسرائيل عزمها علي بناء مستوطنات جديدة علي الرغم من تحذير واشنطون فما كان من الرئيس بوش الا ان اعلن وقف ارسال المساعدات لاسرائيل ووقف وزير خارجيته الشجاع جيمس بيكر ليعلن أمام المؤتمر الصحفي اليومي للبيت الأبيض أن واشنطون لن تتصل بإسرائيل حول هذا الشأن وعلي المسئولين هناك أن يتصلوا بالبيت الأبيض وذكر رقم تليفون البيت الأبيض..!

مسلسل مُمل

تحولت فاعليات الدعاية الانتخابية للرئاسة الامريكية الي معركة حاسمة بين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب واصبحت اشبه بمسلسل ممل تستخدم فيه ألفاظ بعيدة عن اللياقة واتهامات تجعل الناخب في حيرة من أمره..

وقد جاء ترشيح هيلاري كلينتون كأول سيدة لخوض معركة الرئاسة الامريكية مما اسعد قطاعا كبيرا من الناشطات في مجال العمل النسائي... وكان التدافع لمساندة هيلاري باعتبارها امرأة بداية لخلق نوع من التفرقة أي أن هناك من يري أن المعركة لم تعد فقط تفرقة بين البيض والسود بل بين الرجال والنساء.. وبالمناسبة هذا المجتمع الامريكي الذي لا يكف عن توجيه أصبع الاتهام لبعض الدول بدعوي انتهاك حقوق المرأة مازال حتي اليوم لا يعطي المرأة العاملة نفس الأجر الذي يحصل عليه زميلها الرجل الذي يؤدي نفس العمل..

ومازلت أذكر كيف دعيت الي ندوة للحديث عن المرأة في العالم العربي وكان ذلك في بداية عملي بالولايات المتحدة وكان البعض يعتقد انهم سيقدمون صورة تستحق الشفقة عن المرأة المغلوب علي أمرها.. وتحدثت عن المرأة العاملة المتعلمة وعن الفلاحة التي تساعد زوجها في الحقل وعن الأم ومكانتها في الأسرة.. ولم اغفل الاشارة الي ان المرأة حكمت اثناء مصر الفرعونية.

وعندما تطرق الحديث الي التقاليد قلت إن هناك نقطة هامة أود الحديث عنها وهي ان المرأة المصرية تظل محتفظة بهويتها مهما تغيرت أوضاعها.. فهل لا تنتسب الي الزوج بل الي الوالد واعربت عن الأسف لأن المرأة الامريكية قد يتغير اسمها وفقا لظروفها الاجتماعية عدة مرات فهي: مسز جون اليوم ثم تصبح مسز جوزيف إذا طلقت من جون.

وقد اعجب الحاضرون بهذه الملحوظة... ويجدر بالاشارة هنا ان هيلاري اصرت علي ضرورة احتفاظها باسم ابيها واصبح اسمها ثلاثيا هيلاري رودم كلينتون.

وإذا كان البعض قد أعرب عن الدهشة لاحجام أغلب الصحف الامريكية عن وضع صورة هيلاري في الصفحة الأولي بعد فوزها بترشيح الحزب الديمقراطي مما يدعم فكرة أن المجتمع الامريكي مجتمع ذكوري بطبيعته فقد غضبت الناشطات النسائية من خطاب الرئيس كلينتون عن زوجته حيث فضل ان يحكي قصة غرامه وزواجه بها ولكنه بالطبع أغفل فصلا هاما وهو خيانته لها وأفاض في حديثه عن اهتمامها بقضايا الطفل والمرأة والأقليات وانهي خطابه بمساندة هيلاري «الفتاة» التي التقي بها وارتبط بها منذ عام ١٩٧١... وكان الغضب لأن تلقيبها بالفتاة أمر يقلل من شأنها...

عودة الشبح

عاد الملياردير جورج سورس الي ممارسة نشاطه باستخدام امواله في التأثير علي الأوضاع السياسية والتدخل في شئون الدول حيث اعلن مؤخرا انه رصد ٢٥ مليون دولار لمساندة وصول هيلاري كلينتون الي البيت الأبيض...

ومن المعروف ان سورس قد أنفق ٢٧ مليون دولار في عام ٢٠٠٤ لهزيمة جورج بوش... ويمتلك سورس ثروة تقدر بحوالي ٢٤.٩ مليار دولار قام بجمعها نتيجة مغامرته في الاتجار بالعملات في أوروبا.. وقد ذكر عدد من العاملين معه انهم يتوقعون زيادة مساهمته في دعم مرشحة الحزب الديموقراطي مع اقتراب موعد الانتخابات...

ويعتبر سورس الممول الأساسي لمنظمة التحالف الديموقراطي التي تعتبر المظلة التي تجمع جمعيات ومنظمات المجتمع المدني وبعضها له نشاط مشبوه وتعمل علي إثارة فوضي وعدم الاستقرار في العديد من الدول.

ومازالت هناك تكهنات حول اتصالاته من خلال هذه الجمعيات وعلاقاتها بجماعة الاخوان المسلمين، وقد ذكر نجله جوناثان الذي حضر اجتماع المؤتمر القومي للحزب الديموقراطي لاعلان ترشيح هيلاري للرئاسة الأمريكية أن والده الذي تربطه بهيلاري علاقة وثيقة منذ ٢٥ عاما كان يعتزم الحضور إلا أنه لم يتمكن من ذلك حيث انه يتابع عن قرب الوضع الاقتصادي في اوروبا... وقد أوضح سورس انه سيعمل بقوة لمساندة هيلاري حتي يمكنها التغلب علي ترامب الذي اتهمه بأنه يعمل علي اثارة مخاوف الامريكيين من إرهاب داعش...

ويري المراقبون ان اموال سورس ستدعم مساعدة انصار الديموقراطيين لهيلاري حيث حصلت حملتها حتي الآن علي ما يزيد علي ٩٠ مليون دولار من عدد من كبار المساهمين... وعلي الرغم من ان قانون التبرع لدعم الحملات الانتخابية يفرض حدا علي الأموال التي تقدم فإن كبار المساهمين يستخدمون الجمعيات التي يقومون بتمويلها لتقديم هذه الأموال...

وهنا أريد أن أذكر ان اشهر فيلم يعرض حاليا بدور السينما الامريكية فيلم بعنوان «امريكا مع هيلاري» وهو فيلم وثائقي اعده نشاط سياسي محافظ ومخرج من اصل هندي يدعي دنيس واسوسه... والفيلم هو أسوأ دعاية للحزب الديموقراطي حيث تناول اخطاء الحزب وبصفة خاصة منذ تولي كلينتون وزوجته القيادة من خلال البيت الأبيض ويحرض أي مشاهد علي عدم التصويت لهيلاري...

والفيلم ينقل وقائع وحقائق الا انه يركز علي السلبيات ويعكس رغبة قوية في الانتقام من الحزب الديموقراطي حيث ان واسوسه قد سبق أن قدم فيلما انتقد فيه بشدة الرئيس اوباما وسياسته الخارجية وكانت النتيجة ان المسئولين عن الانتخابات قدموا شكوي لأن هذا الناشط قدم ٢٠ الف دولار لدعم صديق له ينتمي للحزب الجمهوري كان يخوض الانتخابات للفوز بمقعد في الكونجرس.. وذكرت الشكوي ان ما قدمه يزيد علي المقرر الشخصي للتبرع وانه أودع جزءا من المبلغ تحت اسماء لاصدقاء له حتي يفلت من المساءلة...

وانتهي التحقيق معه بحبسه لمدة ٣ سنوات يوميا من الثامنة مساء حتي الثامنة من صباح اليوم التالي.. واصبح هذا الناشط لا حق له في التصويت باعتباره سوابق وبالتالي جاء بهذا الفيلم للانتقام...