يوميات الأخبار

معجزات القرآن

مازلت أذكر ذلك اليوم البعيد الذي التقيت فيه بواحد من أعلام الدارسين في مصر وهو الأستاذ الدكتور شوقي ضيف أستاذ الأدب العربي بأداب القاهرة ورئيس مجمع اللغة العربية بعد ذلك. يومها حاورته في العديد من قضايا الفكر والأدب وبعدها أهداني كتابه «فصول من الشعر ونقده» والذي تناول فيه الشعر في مختلف العصور حتي عصرنا الحديث.

وقابلته بعد سنوات عندما أصبح رئيسا لمجمع الخالدين وسألني: هل قرأت كتابي معجزات القرآن؟ ولم أكن قد قرأت هذا الكتاب المهم.. وعندما أجبته بالسلب قال: ليتك تقرأه.

كانت أصداء صوت الدكتور شوقي ضيف تتوارد مع خاطري قبيل شهر رمضان، وقررت أن أعيد قراءته علي مهل.. إنه يتحدث عن معجزات القرآن والذي كتبه باحث من أعمق الباحثين العرب.. والكتاب صادر عن دار المعارف.

إنه يتناول بالدراسة والتحليل الذين كتبوا عن معجزات القرآن الكريم قديما وحديثا وما فيه من معجزات علمية ولغوية وبلاغية.

ويعرض لنا عظمة الحضارة الإسلامية التي ما كانت لتوجد لولا هذا القرآن العظيم.. فهو يعرض عرضا تحليليا لمعجزات القرآن، ممهدا لها بعرض معجزات الرسل المادية، وبالحديث عن القرآن وسوره وفواصله.

ويحدثنا عن معجزة سماعه وتلاوته، ومعجزة الإخبار بالغيب، وتليهما معجزة الإضافات القرآنية في قصص الرسل وشعوبهم، والمعجزة العلمية والحضارية والبلاغية.

إنه يبحر بنا عبر محطات كثيرة تناولها المؤرخون والدارسون عبر مختلف عصور التاريخ فيورد لنا رؤي الفخر الرازي وابن أبي الفضل المرسي وطنطاوي جوهري.. وقبل ذلك يلقي الضوء علي العلوم المستنبطة من القرآن الكريم عند الإمام الغزالي مختتما كتابه الشائق بالحديث عن البلاغة في القرآن الكريم برؤية مصطفي صادق الرافعي في كتابه «إعجاز القرآن».

والدكتور شوقي ضيف يتحدث عما أحدثه القرآن للعرب من تحول عظيم إلي الكتابة والعلم إلي أن أصبحوا أمة عظيمة ذات كتاب ديني باهر هو القرآن .

ويري أن القرآن جعل العرب تعكف علي مدارسته ويهديها إلي علومها الشرعية من الفقه وتفسير الآيات القرآنية.. ويقول: أليس ذلك يعد إعجازاً علميا للقرآن لا يماثله إعجاز.

وليس ذلك فقط فقد غرس القرآن في نفوس العرب وقلوبهم شغفا بالعلم ومدارسته فإذا هم يصنعون علومهم الشرعية واللغوية.. وإذا هذا الشغف بالعلم يدفعهم إلي محاولة التعرف علي ما كان لدي الأمم القديمة المفتوحة وغيرها من العلوم ويتمثلونها ويشاركون فيها مشاركات كبري ويقودون العالم علميا ستة قرون متوالية.

ويري أن كل ذلك جاء بفضل القرآن الكريم وفضل ما نفث في قلوب العرب وعقولهم من الشغف الشديد بالعلم مما يستحق أن يسمي إعجازا علميا لا نظير له، إذ حول أمة بدوية لم تخط كتابا إلي أمة ذات تاريخ مجيد في التعلم وحقائقه العلمية. ويقول لنا المؤلف إن الجاحظ كان أول من ذكر أن القرآن معجز بنظمه، وألف في ذلك كتابا سماه «نظم القرآن».

غير أنه سقط من يد الزمن.

ويقول بالجزء الرابع من كتابه (الحيوان): «كتابنا المنزل الذي يدلنا علي أنه صدق.. صدق نظمه البديع الذي لا يقدر علي مثله العباد» ويقصد بنظمه أسلوبه البديع من حيث بلاغته وتأثيره في النفوس والأفئدة.

وكان الرسول: إذا تلاه علي سامعيه بدت عليهم روعة شديدة، سواء أكانوا من أنصاره من المسلمين أم من أعدائه الكافرين، مثل الوليد بن المغيرة الذي كان من ألد خصومه، فقد سمع الرسول يتلوه ذات يوم وعاد إلي قريش فقال لهم: «لقد سمعت من محمد كلاما، ما هو من كلام الإنس ولا كلام الجن ـ أي الذي يردده عنهم الكهان ـ وأن له لحلاوة، وأن عليه لطلاوة، وأن أعلاه لمثمر وأن أسفله لمغدق ـ أي كثير المياه والرونق.

والوليد شعر بوضوح حين سمع القرآن أنه نمط وحده إذ تتوالي آياته بفواصل تطمئن عندها النفس وتشعر بأنس وعذوبة.

يقول الله ـ تقدس اسمه ـ فيه: «قل لئن اجتمعت الإنس والجن علي أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا» (سورة الإسراء: ٨٨).

ويتطرق الباحث إلي ما كتبه في العصر الحديث مصطفي صادق الرافعي في كتابه عن إعجاز القرآن، ويري أنه يطيل في مقدماته، وبعد مائة وثلاثين صفحة يتحدث عن قضية الإعجاز، ويستهله بفصل عن أقوال الأسلاف عن الإعجاز، وتبعه بفصل عن مؤلفاتهم فيه، وهو من القائمين بالإعجاز البلاغي وينوه بأسلوب القرآن ووجوه تراكيبه، ونسق حروفه وألفاظه، ويشيد بما كتب فيه من مؤلفات في أنواع البلاغة والبديع، ويقول إن العرب إلي اليوم يضمونه إلي صدورهم وأفئدتهم لمعجزاته الباهرة.

والكتاب متعة للقارئ الذي يبحر به عبر معجزات القرآن الكريم الذي كان وسيظل نور هداية ومعرفة وعلما منذ أنزل إلي أن تقوم الساعة.

كلمات مضيئة

إذا أقبلت الدنيا علي أحد أعارته محاسن غيره.

وإذا أدبرت سلبته محاسن نفسه.

> الإمام علي بن أبي طالب