معادلة بالغة الصعوبة مع لعبة الصبر وحدوده. حدود الصبر بالنسبة للمواطن مرتبط بتكلفة المعيشة لأن الواقع فرض علي الجميع أن الأسعار التي يدفعها المواطن لشراء السلع تفوق إمكانياته. ويضطر المواطن إما أن يحرم نفسه من بعض المتطلبات أو أن يكون الحرمان من استهلاكها شبه كامل.
إننا لا نتكلم هنا عن الوصول إلي درجة الجوع الذي لم نصل إليه بعد. ولكن يجب أن نتنبه أن الصبر أمام الحرمان له حدود، يدفع المواطن بعدها إلي درجة تقرب من الثورة علي ظروف وقسوة الحياة التي يعيشها.
ومن المحاولات التي تبذلها الدولة لمساعدة معيشة المواطنين تأتي من جانب القوات المسلحة حينما تضع أمام المواطن بعض احتياجات المأكل والمشرب من إمكانياتها الخاصة كمساعدة وطنية تمثل مشاركة في لقمة العيش.
ويأتي بعد ذلك الصبر المطلوب من الدولة في مواجهة المطلوب من إمكانيات ورءوس أموال تدفعها الدولة سواء لتمويل السكن الاجتماعي أو الدعم.
كيف تستطيع الدولة أن تقوم بهذه الإمتيازات.. وأن تحافظ بقدر الإمكان علي استقرار ميزانيتها.. وأن تستطيع تمويل وتغطية العجز.. وأن تدفع مرتبات موظفي الحكومة.
والصبر المطلوب هنا من الدولة مختلف عن الصبر المطلوب من المواطن. فالمطلوب هنا من الدولة هو الجهد المستمر في عمل توازن بين اضطرارها للقروض وقدراتها علي تمويل احتياجات الدولة في إنفاقها وتغطية التزاماتها.
والعجيب أن العالم أجمع يعيش ظروفاً بالغة الصعوبة سواء بالنسبة للمواطن أو الدولة.. لقد عشت منذ سنوات طويلة ما يقرب من ربع قرن في فرنسا وكانت ظروف المعيشة مختلفة عن السنوات الأخيرة التي ارتفعت فيها الأسعار واختل ميزان المدفوعات.. وبالتالي أصبحت الحياة أكثر صعوبة.
وأذكر في سنوات الستينيات والسبعينيات كانت أسعار المعيشة والسكن معتدلة جداً.. لاسيما بالنسبة لنا كطلاب وحتي في بداية سنوات العمل.
ولكن كانت ألمانيا دائما معتدلة في تكلفة الحياة والسكن ومثلها كانت إنجلترا، ولكن الحياة في إيطاليا مثل الحياة في فرنسا الأسعار عالية علي كل المستويات.. إذاً نستطيع القول إنه بصفة عامة أن معظم بلاد العالم تعيش ظروفاً صعبة مثلنا أو أقل صعوبة.
وهل لنا أن ننظر للمستقبل لنقول هل هناك من حلول تساعد المواطن علي مزيد من الصبر.. والدولة مزيد من القدرة علي احتمال الأعباء ؟
بالنسبة للمواطن أقولها بصراحة :» بجانب صبر المواطن مطلوب منه مزيد من الدخل «.. لأن من يراقب أسلوب المواطن في الحياة فسيلاحظ أن الحياة صعبة لعدة أسباب أهمها : « أنه لا يعمل بالقدر الكافي ويريد أن يتكسب أكثر وأكثر وهذه معادلة شبه مستحيلة «.
وهناك زاوية أخري لدور الدولة ودور المواطن، وهو أن نتخيل نوعا من التعاون والتكامل بين دور الدولة ودور المواطن.. فعلي المواطن أن يعي أنه يقوم بدور فعال بدافع من إعلاء « المصلحة الوطنية « وبوعي كامل بأن»مصلحة الوطن.. ومصلحة المواطن.. ومصلحة الدولة كلٌ لا يتجزأ».
كما أن الدولة بدورها إنطلاقاً من مبدأ « أن الدولة في خدمة المواطن « مطالبة « بجهد وصبر ليشعر المواطن أن الدولة بجانبه تستجيب إلي احتياجاته ومطالبه «.
تكلمنا في بداية المقال عن حدود صبر المواطن، أما عن حدود صبر الدولة فقد تكلمنا عنه أيضاً وضرورة حماية استقرار الاقتصاد وميزانية الدولة.
وفي النهاية لابد أن نذهب إلي « لغة الحسابات « العاقلة والمحسوبة.. ولكن أذكر فيما يخص المواطن :» عن الأهمية القصوي لدفعه وتشجيعه نحو العمل.. ثم العمل.. ثم العمل «.
الخلاصة :
إن مجتمعنا في حاجة إلي « ثقافة العمل.. بل وتقديس قيمته «.. وأن يبذل الإعلام جهداً ليشرح للرأي العام والجمهور « أن العمل شرف وإلتزام يعطي للمواطن حق العيش بكرامة «.