منذ أن جئت إلى اليابان من 14 عامًا وأنا أقضي رمضان دون الجو الرمضاني المتعارف عليه في مصر، هذا الجو الصاخب الممتلئ بفرحة قدوم شهر كريم يبدأ فيه التليفزيون والإذاعة بدورهما في بث الأغاني الرمضانية الجميلة من "رمضان جانا" و"مرحب شهر الصوم" وغيرهما.

ويبدأ الأطفال والكبار في إعداد زينة رمضان التي تتجلى في أبهى صورها معبرة عن الحب والتعاون بين الجيران إذ يتفق هؤلاء على تبادل إضاءة هذه الزينة بالتتابع ويتقاسمون التكاليف سويًا.

ويعرض أصحاب المحلات ألوانًا وأشكالًا من الياميش الذي يتهافت عليه الناس من كل حدب وصوب، وبغض النظر عن ارتفاع أسعاره وتعذر شرائه على الكثيرين إلا أنه مازال العنصر الرئيسي في معظم السفرات المصرية.

وتقوم المساجد بإنارة المآذن، فترى مصر من السماء كقطعة ساحرة تشع نورًا من نور الجنة.

منذ أن جئت إلى هنا وأنا أفتقد فانوس رمضان الذي كان يأتي به والدي رحمة الله عليه ليعطيني إياه، أشعر بالوحدة في عدم وجود "لمة العيلة" وتعالي الضحكات، كما أشعر بالحنين لصوت المدفع وأذان المغرب حتى أنين صمت الشوارع وقت الإفطار أشعر بالاشتياق إليه.

ففي اليابان بالطبع لا يوجد كل هذا، أكثر ما نستطيع فعله نحن المقيمون في هذا البلد هو تبادل التهنئة بالشهر الكريم، والتجمع في أيام العطلات الإسبوعية للإفطار معًا إن أمكننا ذلك، حتى الشعائر الدينية الرمضانية حُرمنا منها، فالمدينة التي أقطنها لا يوجد بها إلا مصلى واحد تحت الأرض لا يتسع سوى لعشرات الأفراد ونظرًا لضيق المساحة أصبح المكان لا يحتمل عدد المترددين عليه، غير أنه الآن وبعد مرور أكثر من عشر سنوات على افتتاحه، تسربت فيه المياه الأرضية وتسببت الرطوبة العالية في انبعاث الروائح الكريهة من حوائطه وسجاده ليصبح مكان لا يصلح للصلاة فيه.

واتخذت إدارة المصلى الإجراءات اللازمة حيال ذلك، فقاموا بإصلاح مصلى الرجال وتم إغلاق مصلى النساء إلى أجل غير مسمى، وفقدنا المكان الوحيد الذي كان يجمعنا وأصبحت الصلاة مقتصرة على الرجال فقط، كما أنه بالطبع لا يوجد تغيير في مواعيد العمل فنعود بعد يوم شاق لنفطر بعد انتهاء أذان المغرب بوقت طويل.

أي رمضان هذا نستشعره في مثل هذه البيئة؟، كل ما يمكننا القيام به هو التركيز على العبادة فقط كل على حد، فرمضاننا بلا جو رمضاني ولا شعائر دينية، وسوف ينتهي رمضان ليأتي بعده العيد الذي عادة ما نستأجر فيه قاعة احتفالات حيث تقام الصلاة للأسف بعد شروق الشمس.

وعزائنا هنا أننا نجتمع من مختلف الجنسيات، نصطف معًا كتفًا إلى كتف ناطقين في صوت واحد "لبيك اللهم لبيك" لتجمعنا كلمة "التوحيد".