الرائد سمير نوح، ولد بمدينة القناطر الخيرية محافظة القليوبية في 15يوليو1949، وبعد حصوله علي دبلوم المدارس الصناعية تقدم للتطوع بالقوات البحرية المصرية ليتحقق له حلم الانخراط بصفوف القوات المسلحة.
وهو أحد أبطال المجموعة «39 قتال»، والتي أسسها القائد الشهيد إبراهيم الرفاعي، وكانت المجموعة مكونة من بعض عناصر الصاعقة البحرية والصاعقة البرية، وقد اختار الشهيد "الرفاعي" رأس النمر ليكون شعار المجموعة وأطلق عليها موشيه ديان وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، اسم "الأشباح" لأنهم لا يتركون أي أثر لهم بعد انتهاء أي عملية وقاموا بتنفيذ أكثر من 91عملية ضد العدو.
ولقد ظلت هذه المجموعة تقاتل علي أرض سيناء منذ لحظة اندلاع العمليات في السادس من أكتوبر وحتى نوفمبر، التقت "بوابة أخبار اليوم" أحد أبطال المجموعة 39 قتال وهو أمين سر المجموعة والذي روي لنا أهم العمليات التي شارك بها.
حدثنا عن المجموعة 39 قتال ودور الشهيد إبراهيم الرفاعي فيها؟
قال: «أود في البداية أن أوضح أن الجيش المصري لم يحارب في 67، وبعد احتلال العدو الإسرائيلي لسيناء، بدأ بالانتشار في منطقة سيناء، ونشر أسلحة و صواريخ علي الضفة الشرقية حتى تضرب علي الضفة الغربية لسيناء بالإسماعيلية، ولكي نتحدث عن بداية عمل الشهيد إبراهيم الرفاعي، فيجب أن نتحدث عن الصواريخ التي كانت تنتشر على طول خط القناة وتضرب المواقع والسيارات التي كانت تتحرك من وإلي الإسماعيلية وإلي بورسعيد».
وتابع: «كان في هذا الوقت الخبراء السوفيت موجودين في مصر وطلبوا إحدى تلك الصواريخ التي كانت تضرب على المواقع المصرية الموجودة على خط القنال، لكي يتم معرفة مدى قوته وتفجيره ومسافته، ووقتها طلب الشهيد إبراهيم الرفاعي من صديقه النقيب إسلام توفيق قاسم من «الصاعقة البحرية»، أشخاص من الصاعقة البحرية، لأنهم يستطيعون السباحة لمسافات طويلة، ولكي ينفذوا مهمة إحضار الصواريخ».
وأكمل: «في 4 يوليو 1967 عبر النقيب «إسلام توفيق» وكان معه ملازم أول «رأفت جمعة» و الملازم أول «بهجت خضير»، وقد اكتشفوا بعد الاستطلاع، أن القوات الإسرائيلية استولت علي مخازن للأسلحة والذخيرة بعد انسحاب القوات المصرية من سيناء، فعبر الشهيد إبراهيم الرفاعي وأحضر مجموعة من أحد الكتائب، كانوا حوالي 4 صف ضباط، وجهزوا كل معدات النسف وعبروا القناة وبدءوا يحزمون الأسلحة والذخيرة في منطقة «جنيفة» في الإسماعيلية في الضفة الشرقية، ونسفنا أكثر من مليون صندوق للأسلحة الذخيرة والمعدات وقطار محمل بالأسلحة والذخيرة، وكتائب مظلات إسرائيلية وظلت النيران مشتعلة عدة أيام حتى شوهدت في الزقازيق».
هل هذه كانت أول عملية لكم قبل تكوين المجموعة 39 قتال أليس كذلك ؟
قال: «نعم كانت أول عملية وكانت ناجحة بنسبة 100% وقادها العميد إبراهيم الرفاعي وكان وقتها برتبة مقدم وكانت أيضاً قبل تكوين المجموعة وهذه العملية جعلت الفريق محمد أحمد صادق وكان وقتها مدير المخابرات الحربية يقول: «إحنا عندنا ناس أبطال ممكن يقوموا بأعمال ضد العدو ومش هنقف مكتوفين الأيدي»، والجيش المصري كان في وضع الاستعداد والتجهيز بعد الاستيلاء علي معظم الأسلحة و الذخيرة و الطيران».
وتابع: «كلف وقتها الفريق صادق العميد إبراهيم الرفاعي بتكوين مجموعة لعمل عمليات ضد العدو وفي هذا الوقت كانت قوات الجيش تقف مكتوفة الأيدي و قوات العدو تتأرجح في سيناء شمالا ويمينا و تضرب المواقع والسيارات وتقوم بطلعات جوية كثيرة، وبدأت القوات تنوع في الأسلحة وبدأت العديد من الدول تساعدنا وفي هذا الوقت طلب الخبراء الروس أحد الصواريخ فطلب "الرفاعي" من إسلام توفيق قاسم تنفيذ العملية وكان عندنا بطل من برما من الغربية يسمي «عبد المنعم أحمد غلوش»، وكان قوي جدا في السباحة و كان الأقوى جسمانيا والأمهر في السباحة من بيننا ولديه قوة تحمل وعبروا القناة سباحة».
وكشف: «عند عبورهم للقناة كان التيار شديداً وكشف الاستطلاع وقتها أنهم حينما سيعبرون من تلك النقطة سيبتعدون عن الهدف بـ2 أو 3 كيلو من شدة التيار وفشلت فكرة الغطس وعبروا عن طريق السباحة فوق المياه بمساعدة المعدات والتجهيزات الموجودة، والذي أعرفه أن الشهيد عبد المنعم أحمد غلوش عبر بمفرده وهو الذي طلب منهم هذا و تم ربطه بأحد الحبال من "وسطه" وأخذ كيس بلاستيك وضعه في بدلة الغطس حتى يتمكن من إحضار الصاروخ دون أن تؤثر عليه ملوحة المياه».
وأضاف: «الاستطلاع رأي أنه لا توجد أي تأمينات لهذا الموقع الإسرائيلي واستطاع "غلوش" السباحة وبدلاً من أن يحضر صاروخ واحد أحضر 3 صواريخ وكان حجم الصاروخ صغيراً فوضع الثلاثة في "الكيس" وأعطي الإشارة في الجانب الآخر عن طريق تحريك الحبل وتم سحبه وبعدها تحركوا بسيارتهم إلي إدارة المخابرات والتقوا اللواء محمد أحمد صادق، وأرسلوا الصواريخ للخبراء السوفيت الذين فوجئوا بدورهم مما رأوه وقالوا :" كنا متأكدين أنكم لن تستطيعوا أن تحضروا صاروخ واحد فقمتم بإحضار 3 صواريخ».
وماذا توصلتم إليه من خلال الصاروخ؟
قال: «تم تجربة أحد الصواريخ و وتعرفنا علي مداه وأنه يتراوح ما بين 5 إلي 6 كيلو فقط فقمنا بإبعاد الأهداف أكثر لحوالي 7 كيلو وتم عمل شباك بطول الضفة حتى توقف أي صاروخ يتم ضربه وينفجر في تلك الشباك، وتم منح الشهيد «غلوش» نوط الجمهورية، وطلب الشهيد "إبراهيم الرفاعي" وقتها من اللواء "صادق" التصديق علي استدعاء صف ضابط وضباط من الصاعقة البحرية للقيام بعمليات تعرضية ضد العدو، وتم تدريبنا بشكل شاق جدا بقيادة النقيب "إسلام توفيق قاسم" والملازم أول "وسام عباس حافظ " وملازم أول "ماجد مصطفي" ومجموعة كبيرة منا وكنا حوالي 25 أو 26 فردا كلنا كنا برتبة "عريف" باستثناء "غلوش" كان مساعدا و"هنيدي أبو شريف" كان رقيب أول».
وكيف كنتم تدربون؟
يقول «نوح»: «كنا نحضر بالونات ونفردها علي حبل غسيل ونضربها من علي بعد 200 متر وهي تتأرجح ويجب علي كل واحد أن يصيب الهدف من أول طلقة وتدربنا في نادي الرماية علي «الشواخص»، بأن يكتب كل واحد فينا اسمه بالرصاص ووصلنا لدرجة متقدمة جدا في التدريب، وكنت الأول في السباحة، وكنا نعبر مع النقيب "إسلام" في النيل وكنا نعبر بالسلاح و بكامل معداتنا ضد التيار والمياه العذبة أثقل من المياه المالحة».
ما هي العمليات التي قمتم بها بعد ذلك ؟
كشف: «هناك عملية مهمة جداً وأطلقنا عليها عملية «كمين جبل مريم» والاستطلاع اللاسلكي المصري كان يرصد دائما وجود سيارتين يأتون من اتجاه الشمال أو الجنوب كل يوم في حدود التاسعة مساء تقوم بعمل دورية بالجهة الموازية للقناة وكلف النقيب إسلام توفيق والرائد أحمد رجائي عطية وكان قائدا العملية، وقبل العملية كلفت بأن أكون قائد التلغيم في الجانب الأيمن و كان زميلي النقيب عادل فليفل من الشمال، وكان اللغم مضادا للدبابات وكفيل بتفجير دبابة وكل مجموعة مكلفة بوضع 6 ألغام في كل جانب بمعدل لغمين أعلي بعضهما البعض ولابد من سد كل طريق بلغمين».
وتابع: «كنا نجيد التمويه جدا لأنه أهم شئ في العملية حتى لا يستطيع العدو كشفنا والوصول لنا وكان معي في العملية الشهيد موسي عبد العاطي والشهيد محمد عبد الحميد الشامي، وكانا ضاربين «آر بي جي»، و قبل أن نعبر عبر المرحوم الملازم أول ماجد ناشد، ومعه عبد المنعم غلوش، والبطل هنيدي مهدي للاستطلاع حتى يكشفوا المكان، لأنه من الممكن أن يكون هناك كمين وعبروا القناة، وأعطونا الإشارة بالأنوار وعبرنا بـ «اللانش» خلفهم وكل واحد منا يحمل لغمين.
ويضيف: «قمنا بوضع الألغام وأثناء مرور السيارتين انفجرت الألغام في السيارة الأولى، وإحنا اشتغلنا بالأربي جي والعربية اللي بعدها دخلت في اللغم اللي أنا وضعته وأول ما دخلت في الألغام نزلنا فتحنا النيران بشدة، وكانت أول عملية صاخبة تقوم بها القوات المسلحة وعلي مستوي الجيش كله وكانت في 26/8/1968 و تطايرت أجساد اليهود في الجو ووجدنا واحد منهم مازال علي قيد الحياة وكان اسمه يعقوب رونيه».
وقال: «توقيت عبورنا وتنفيذ العملية كان الساعة 9.30 مساءً وبمجرد وقوع الانفجارات استغاث الإسرائيليين وقالوا أن هناك لواء من الجيش المصري عبر القناة و كنا وقتها نضرب طلقات خارقة و حارقة وخارقة حارقة كانت تنير السماء وكان "خلصانين" ولكن إحنا كملنا و "معتقناش" لأن هذه كانت أول عملية نقوم بها والنقيب إسلام ضرب طلقة كاشفة في المكان نورت المنطقة فوجدنا هذا الجندي يعقوب رونيه ينازع فحمله البطل هنيدي مهدي أبو شريف والشهيد محمود الجيزي ومحمد شاكر وعبروا القناة وجروا به إلي المستشفي لكنه توفي بعدها بحوالي نص ساعة».
وأضاف: «كان المقصود من هذه العملية جمع أكبر عدد من المعلومات و جمع خرائط وأي معلومات وبعد تنفذ مهمتنا عدنا إلي مبني المخابرات الحربية وقابلنا اللواء محمد أحمد صادق، وكان فرحان جدا وأخذنا وذهبنا للفريق محمد فوزي وزير الحربية ومنحنا الرئيس جمال عبد الناصر نوط الجمهورية وأخذنا مكافئة لكل المتطوعين، وطالب موشيه ديان وقتها بمحاكمة الفدائيين المصريين الذين عبروا ونفذوا العملية ».