«مأساة» و«فساد» وإهدار للمال العام.. عشوائية وأيدٍ مرتعشة وتخاذل وبيروقراطية وتعقيدات إدارية لا حصر لها.. نحن إذن في «برج العرب» إحدى أكبر المدن الصناعية في مصر.

دول العالم تفتح ذراعيها لاستقبال المستثمرين وسط حالة من الركود العالمية لإنقاذ اقتصادياتها ونحن هنا مازلنا قابعين بيروقراطيين لا نهتز وجهات حكومية بموظفين تقليديين وجهت سهامها نحو المستثمرين غير آبهة بما يمر به اقتصادنا وربما لا تعي سيئات ما فعلت ولا تزال.

ينبئك مدخل «برج العرب» تلك المدينة ذات الخمس مناطق صناعية بما قد تحمله في أحشائها.. فالطريق إليها أشبه بضيق شديد وقاتل في الشريان، الطريق طويل غير ممهد مطبات وحفر وعشوائية في السير، نقل ثقيل يزاحم ملاكي وأتوبيس عمال على الطريق يفلت من «خنفساء السوزوكي»، وتوك توك يربك حركة الجميع ذهابا وإيابا.

أعمال إحلال وتجديد على الطريق مجرد فقط استبدال أسفلت قديم بجديد فلا أعمال للتوسعات أو التطوير أو غير ذلك من مشاهد تبعث أملا في النفوس والمحصلة النهائية تكدس في السيارات على الطريق أحدثته أعمال تكسير الإسفلت القديم.

حطت سيارة «بوابة أخبار اليوم» في قلب المدينة.. فارغة لا ضجيج لمصانع، ولا حركة ظاهرة لعمال إلا قليلا، واصلنا السير في المدينة التي تسمى صناعية، القمامة وأكوام الرمال والحصى والطوب ومخلفات المصانع مشهد مألوف جدا ومعلم ثابت لا يتغير وربما يكون في المستقبل أحد معالم المدينة التي ضربها الإهمال في وجود جهاز يدير «برج العرب» ربما يكون خارج نطاق الخدمة إلى حد كبير جدا.

أراض فضاء كثيرة بين المصانع والشركات معظمها لا يشغلها سوى الكلاب الضالة الشرسة وبعض الرعاة بأعداد ليست قليلة للأغنام على فيض الحشائش وتلال المخلفات صناعية كانت أم غذائية أم طوب وحجارة، في ظل حديث وشكاوى متكررة من ندرة الأراضي الصناعية.

التوغل أكثر في المدينة يصيبك بإحباط قد تعانى منه لفترات من الزمن حتى يتغير وجه هذه المدينة القبيح في ذاكرتك، بالوعات الصرف الصحي مفتوحة على مصراعيها والأغطية ربما سرقت وربما لم يتم تركيبها من الأساس، ربما تهدد معظم المارة في المكان والسيارات بحوادث جسيمة فليس من السهل تمييزها أثناء الحركة.

بالوعات صرف المياه مملوءة بالحجارة والأتربة وأخرى طفحت منها المياه بعد أن أغلقتها المخلفات وتراكمت وجاءت «البرك» لتستوطن أمام الشركات والمصانع، وربما يفسر لنا هذا ما تحدث به إلينا أحد المستثمرين حين قال إن صاحب إحدى المصانع لجأ لـ»المركب» لدخول مصنعه خلال الشتاء- صدقناه فقد رأينا بأعيننا خراب الذمم والإهمال.

ناهيك عن لوحات الكهرباء في عرض الطريق وبين المصانع، مكشوفة لا يسترها سوى الهواء وتهدد حياة أي كائن حي يمر إلى جوارها، وربما كنا سنكون في عداد الأموات عندما تخيلنا أن الصدأ والتهالك أوحى إلينا أن لوحات وكابلات الكهرباء «العريانة» ليس بها تيار لولا عامل بالمدينة حذرنا: «إياكم والاقتراب.. التيار عالي».

ليس فقط هذا في الكهرباء ولكن سرقة التيار في «عز الضهر» ليس عن سوء نية من سرق ولكن صراع جهات على آمال وطموحات الشباب فالكهرباء لا تريد توصيل التيار إلا بعد دفع جمعية المستثمرين للمقايسات والأخيرة قالت يكفينا دعم الشباب ببناء الوحدات وتجهيزها وعلى الدولة تحمل الباقي، ومع بلوغك قضبان السكك الحديدية بمدينة برج العرب ومع أول مزلقان تعبره تصعق من المرور العشوائي للسيارات، أدنى معدلات الأمان غائبة فلا يوجد عامل لإغلاق الطريق ولا حواجز تمنع من وقوع كارثة محتملة بين الفينة والأخرى.

هشام سلطان، مدير عام جمعية المستثمرين بالمدينة، بدأ حديثه معنا بغضب عارم من تردى الأحوال وما وصلت إليه برج العرب قائلا: الطرق ليست ممهدة ومحطمة والشقق السكنية سيطر عليها الأهالي ومعظمها مغلق لا يقطنها أحد في الوقت الذي لا يجد عمال المدينة شقة تؤويهم.

وأوضحت أن عدد العمال بالمدينة تخطى الـ 70 ألف عامل ثابت ومؤقت، منتقدا طريقة توزيع الأراضي والشقق السكنية والبناء العشوائي الذي أفقد المدينة حق أن يكون لها طابع معماري يميزها كقلعة صناعية.

وأكد سلطان: أن قطار مدينة برج العرب تم تنفيذه بتكلفة تفوق الـ 800 مليون جنيه ولا يؤدى أي خدمات في المدينة فلا يرتاده العاملون بسبب الطريقة غير المدروسة التي تم تنفيذه على أساسها ومحطاته غير المحددة ولا يصل إلى المناطق الحيوية بالمدينة وغالبا ما يتوقف ولا يعمل.

د. عبد الفتاح يوسف رئيس لجنة الشكاوى وفض المنازعات بجمعية مستثمرى برج العرب، قال: نشفق على الرئيس الذي يسير بسرعة الصاروخ ويقوم بدور الحكومة والوزير والمحافظ، وغيره من المسئولين يمشى عكس الاتجاه سواء بقصد أو بدون قصد فالنتيجة واحدة، فالمشاكل التي تعانى منها المدينة قديمة ومتكررة فلا يوجد لدينا جهة واضحة للاستثمار في مصر "الشباك الواحد" لم يفعّل وهناك جهات حكومية لا تتعاون في تحقيقه، مضيفا: المستثمر الأجنبي لن يأتي إلى مصر في ظل معاناة المستثمر الوطني، فقانون الاستثمار السوداني أفضل من المصري الذي لم تتضح معالمه حتى الآن.

وأضاف د. يوسف نحن نحتاج إلى إجراءات تحفيزية تشجع المستثمر الوطني قبل الأجنبي فهو الأولى بالرعاية والأقدر على دعم الدولة في أوقات الأزمات، فقد أرهقتنا الإجراءات البيروقراطية والتعقيدات الإدارية.