في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها بيتي، يعود ابني الكبير من الجامعة كل يوم والتاني بمجموعة من الكتب التي يشتريها من حرّ مالي!
أكظم غيظي وأنا أرقبه يضع على الرفوف مبلغا من المال كان من الممكن أن يذهب لشراء كيلو لحم!.. وليت المشكلة توقفت عنده، ولكن العدوى انتقلت إلى شقيقه (أولى ثانوي) الذي صار يعرف هو الآخر طريقه إلى سور الأزبكية!
مؤامرة من الداخل، قادرة على تدمير راتبي في كام طلعة، ومن ثم البقاء طيلة الشهر على فيض الكريم.
في كل مرة أنوي أن أصفع أحدهما على قفاه إذا وجدته يدخل البيت بكتب، ولكني أضعف أمام العناوين، وندخل في نقاش حول المحتوى، وقصص عن المؤلفين!
الأزمة الحقيقية أن كليهما لا يطالع كل ما يأتي به، يكتفي بقراءة كتاب واحد أو اثنين على الأكثر ويترك بقية الكتب تندب حظها على الرفوف، والتراب يتراكم عليها، قبل أن تنضم إليها مجموعة جديدة.
ما يفعله أولادي، يتكرر معي، ويتكرر مع كل من يحب القراءة.. أشهر وأهم الكتب يمكن الحصول على نسخ إلكترونية منها مجانا، إلا أن شهوة اقتناء الكتاب الورقي يتوارثها الأجيال، وقد تصل إلى حد المرض في أحيان كثيرة، ما يجعل أحدهم يشتري بثمن طعامه كتابا لن يقرأه!
للكتب رائحة جاذبة، وملمس الأوراق سحر لا يمكن مقاومته، وشكل الكتب على الرفوف يمنح الطمأنينة، ويلغي المسافات بين البلاد والعصور، صفوف منتظمة من الكتب، كجيش من المعرفة متأهب دائما لسحق الجهل.