«سنوات الخماسين»| مشاهد صنعت «يونيو الخلاص» كما وثقها ياسر رزق

الكاتب الكبير الراحل ياسر رزق
الكاتب الكبير الراحل ياسر رزق

 «أشرق الثلاثون من يونيو، وأشرقت مصر بعد عام من الظلام الدامس»، بتلك الكلمات والحروف المضيئة فى تاريخ مصر، وصف الكاتب الصحفى الكبير الراحل الأستاذ ياسر رزق فى كتابه « سنوات الخماسين» يوم ثورة 30 يوينو التى نحتفل بذكراها العاشرة اليوم، ونبتهج فخرا وعزة بالمواقف الوطنية التى تبناها فخامة الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى وقادة الجيش المصرى العظيم مع شخصيات وطنية كثيرة اختارت أن تنحاز لمصر وشعبها العظيم أمام مشروع الإخوان الفاشل الذى أعاد إلى الأذهان مشاهد مؤامرات كثيرة عاشتها مصر على مدار تاريخها والتى باءت جميعها بفشل الخونة والمحتلين وانتصر الشعب فى النهاية.

لم يكن الراحل ياسر رزق كاتبًا عاديًا، ولكنه كان شاهد عيان على هذه الحقبة التاريخية الهامة فى عمر مصر الحديثة ومعايشًا لأحداث كثيرة بدأت منذ ثورة 25 يناير عام 2011.

في كتابه الأخير « سنوات الخماسين » الذى صدر قبل أشهر قليلة من وفاته في يناير 2021، قدم رزق وثيقة للتاريخ محملة بحقائق ومواقف كثيرة لم يكن ليعرفها سوى شخص متفرد استحوذ على ثقة دوائر صناعة القرار ليقدم لنا هذا السرد الممتع لأحداث عشناها بصورة غير مكتملة ويؤرخ لنا الأحداث كاملة كما عايشها.

فى السطور القادمة نأخذكم في رحلة بين أهم 6 مشاهد كما وصفها رزق فى كتابه وكانت سببًا رئيسيًا فى حدوث ثورة الثلاثين من يونيو عام 2013.

إقالة المشير طنطاوي!

وقائع ما جرى يوم 12 أغسطس .. صباح ذلك اليوم ذهب اللواء أركان حرب عبد الفتاح السيسى مدير المخابرات الحربية إلى الاتحادية بتكليف من المشير طنطاوى للقاء رئيس الجمهورية الذي طلب إيفاد أحد كبار القادة لمقابلته وتحميله بمطالب يريدها من المشير.

كان المجلس الأعلى المصغر للقوات المسلحة منعقدا، عندما عاد السيسى من الاتحادية وقابل طنطاوي في مكتبه ونقل له رسالة شفهية من الرئيس تتضمن مطلبين عاجلين:
- الأول تحويل 3 مليارات دولار من ودائع القوات المسلحة بالبنوك المصرية والمخصصة للتسليح إلى البنك المركزي، للإنفاق منها على واردات الوقود والسلع الأساسية.
- الثانى إحالة كل قادة القوات المسلحة المستدعين للخدمة إلى التقاعد.

لم يكن المشير طنطاوى يمانع في تحويل المبلغ خاصة أن القوات المسلحة قامت بتحويل ما يوازى 29 مليار جنيه من أرصدتها بالعملة الأجنبية قبيل تحرير سعر الصرف لتدبير احتياجات الجماهير خلال المرحلة الانتقالية. ولكن المشير كان يخشى من ان يؤدى سحب هذا المبلغ مرة واحدة إلى انهيار البنوك، أما المطلب الثانى فقد وحده المشير غير مفهوم خاصة أن الرئيس مرسي شدد على تنفيذه فى اليوم نفسه.

وعندما عاد السيسى إلى وزارة الدفاع انتظر المشير طنطاوى وعندما شاهده شكره قائلًا: لم أكن لأؤدى اليمين لولا أننى عرفت أن سيادتك رشحتنى. فرد المشير طنطاوى قائلاً: الحقيقة..لم أكن أعرف. وهنا قال السيسى بإخلاص: «يا فندم لو عاوزنى أمشى هأقدم استقالتى فورًا» أسرع طنطاوى متأثرًا لاحتضان السيسى وقال له بالحرف الواحد « يا عبد الفتاح أنت ابني، وحتة منى..احنا مش هنلاقى أحسن منك وشد حيلك وربنا معاك».

ولم يخف السيسى ولفترة طويلة ضيقة من الطريقة التى أخرج بها مرسى ومكتب الإرشاد المشير طنطاوى من منصبه ليس فقط بسبب مشاعر الإعزاز والتقدير والأستاذية التى يكنها لقائده المشير طنطاوى وإنما لأنه يقدس العسكرية المصرية ويضع كرامة القوات المسلحة فوق الرءوس بوصفها القلب النابض لشعب مصر.

 الزمر فى نصر أكتوبر! 

في ذلك اليوم اصطدمت أعين الشعب المصرى بمشهد مقصورة أستاذ القاهرة، وقد خلت من أبطال حرب أكتوبر، ومن قادة القوات المسلحة السابقين الذين لم توجه إليهم دعوات الحضور، ووجد القائد العام للقوات المسلحة نفسه فى يوم عيده مخصصًا له مقعد منزو، بينما الإرهابيون قتلة الرئيس أنور السادات صاحب قرار العبور وبطل الحرب يتصدرون المشهد فى منصة الاحتفال وعلى رأسهم عبود الزمر مخطط عملية اغتيال السادات. فى حين كان محمد مرسى يجوب مضمار الاستاد بسيارة مكشوفة يحيى بكلتى ذراعيه أعضاء الجماعة وأنصارها. عم الغضب صفوف القوات المسلحة لهذا المشهد المهين للنصر ولكرامة الجيش ولهيبة قادته العظام، وتحول إلى حالة تذمر فى الوحدات.

 انقلاب دستوري 

بداية النهاية لنظام الإخوان، انطلقت شرارتها يوم 22 نوفمبر 2012، أى قبل مضى خمسة أشهر فقط على تولى محمد مرسى منصب رئيس الجمهورية.
كتب مرسى بخط يده عنوان فصل النهاية، عندما وقع على إعلان دستورى ينص على تحصين القوانين والقرارات التى يصدرها، ويجعلها نهائية غير قابلة للطعن من أى جهة ولو كانت المحكمة الدستورية العليا، لحين إقرار الدستور وانتخاب مجلس شعب جديد. كما نص الإعلان على تعيين النائب العام من بين أعضاء السلطة القضائية بقرار من رئيس الجمهورية لمدة 4 سنوات، مما ترتب عليه إقالة النائب العام عبد المجيد محمود وتعيين المستشار طلعت إبراهيم مكانه.

فى نفس الليلة التأم شمل الأحزاب المدنية والحركات الاحتجاجية فى اجتماع حاشد مطول، تمخض عن تشكيل «جبهة الإنقاذ» من 35 حزبًا وحركة سياسية، وأصبحت الجبهة هى مركز المعارضة السياسية الذى تحلق حوله الجماهير فى انتفاضتها ضد نظام الإخوان.

 يا تحكمونا يا تموتونا!!

قبيل إعلانه عن مهلة الأيام السبعة فى الندوة التثقيفية، دعا السيسي إلى اجتماع مصغر للمجلس الأعلى للقوات المسلحة. التقديرات كانت تقول إن الحالة إذا ما استمرت على ما هى عليه، فسوف تصل البلاد إلى شفا الحرب الأهلية خلال شهرين، وكانت تقول إن الأمور لو وصلت إلى الاقتتال الأهلى فسوف تكون خارج قدرة أى أحد، حتى الجيش، على السيطرة والاحتواء.

 30 يونيو 

أشرق الثلاثون من يونيو، وأشرقت مصر بعد عام من الظلام الدامس. خرج عشرات الملايين فى الميادين والشوارع فى العاصمة ومدن وقرى مصر فى واحدة من أكبر الثورات فى التاريخ المعاصر، بل لعلها الأكبر على الإطلاق. كان المشهد مهيبًا غير مسبوق.

كانت التقديرات لدى الأجهزة الرسمية تتوقع نزول 4 إلى 6 ملايين مواطن، لكن المصريين فاجأوا الجميع ونزل أكثر من 30 مليون مواطن فى كل أنحاء مصر. فى مقر الحكم كان الرئيس مرسى فى حالة نفسية سيئة يشاهد حشود المتظاهرين على شاشات التليفزيون ويصرخ قائلاً: فوتوشوب.

صباح الاثنين الأول من يوليو..التقى السيسى مع مرسي وسأله: هل شاهدت حجم المظاهرات؟ رد مرسى قائلاً: عدد المتظاهرين لا يزيد على 120 ألفاً. فقال له السيسى سأحضر لك سيديهات لمشاهد مصورة من الطائرات لهذه المظاهرات. ثم قرأ عليه بيانًا من القوات المسلحة يعطيه مهلة 48 ساعة لتلبية مطالب الشعب أو إعلان خارطة طريق سياسية للبلاد.

فى الساعة الحادية عشرة من ليل الثاني من يوليو خرج الدكتور محمد مرسى ببيان متلفز استغرق 45 دقيقة كاملة. بدا خارج سياق الأحداث والتاريخ واستخدم كلمة الشرعية 60 مرة مما أثار سخرية المشاهدين. ودون تغريدة على حسابه فى تويتر داعيًا الجيش إلى سحب إنذاره، فى إشارة إلى مهلة الثمانى والأربعين ساعة.

 مشهد النصر 

أمضى ملايين المتظاهرين ساعات الليل معتصمين بالميادين استعدادًا لمليونية «النهاية» وانتظارًا للبيان المرتقب للقوات المسلحة بعد انتهاء مهلة الساعات الثمانى والأربعين وسط مشاعر قلق تعتري النفوس ورجاء فى الموقف المأمول من الجيش المصري.

منذ الصباح الباكر.. أخذ السيسي يراجع التقارير الواردة من كل مكان على أرض مصر عن مجريات الأمور، ويتابع حالة الاستعداد التي كانت فى ذروتها داخل صفوف وحدات القوات المسلحة.