أتوموبيل الفن

مدحت عبدالدايم يكتب: فيات السندريلا.. ورحيلها يوم ميلاد العندليب

مدحت عبدالدايم
مدحت عبدالدايم

حرصت سندريلا الشاشة العربية سعاد حسني على الاحتفاء بيوم ميلاد العندليب الأسمر وحدها، لاسيما فى الفترة التى شهدت توهج الحب بينهما، وكان لا يحتفى بذكرى ميلاده 21 يونيو 1929 نظرًا لوفاة أمه بعد أيام من مولده، لكن "سوسو" – كما كان يحلو له أن يناديها- ظلت حريصة على تهنئته بذلك اليوم ولو بعد منتصف الليل، لتقول له "كل سنة وأنت طيب يا حليم" كما تحب أن تناديه، وكانت أول من أطلق عليه هذه التسمية، وربما قدمت إليه "تورتة" صغيرة توقد وسطها شمعة واحدة، أو تكتفى بأن تربت على كتفيه، وابتسامتها تشع أملًا يملأ عليه وحدته رغم وجود الملايين من حوله، وتشاء الأقدار أن تجعل من ذلك اليوم مناسبة شديدة الخصوصية، إذ تلقى السندريلا حتفها فى 21 يونيو 2001 وهى تعانى أزمة مرضية ونفسية عنيفة، إذ تخلى عنها معظم من أحاطوا بها فاضطرت إلى الانتحار فى غيبة "حليم" أو قتلت بيد مجهول فى ذلك اليوم الذى كان يمثل لها الكثير.

ولدت سعاد محمد كمال حسني البابا فى 26 يناير 1943، وفى مذكراته التى شرع فى كتابتها أثناء رحلة علاجية بمدينة "أكسفورد" فى يناير 1973 خصص حليم فصلًا كاملًا جاء تحت عنوان "نعم أحببت سعاد حسنى ولكن" يروى خلاله كيف رأى صورتها للمرة الأولى فى جرائد الصباح بعد قيامها ببطولة فيلم "حسن ونعيمة"، جذبته الصورة الجميلة وعرف أنها أخت نجاة الصغيرة، وأنها لم تعد تعمل بالسينما بعد ذلك الفيلم، لكونها تحتاج إلى إعادة تصوير المشهد أكثر من مرة، ولا تجيد الوقوف أمام الكاميرا، لكن العندليب رشحها للقيام بدور شقيقته بفيلم "البنات والصيف" من إنتاج شركة "أفلام العالم العربي" وكان شريكًا فى أسهمها، وظل يشجعها ويصفق لها كلما أجادت، وأحس يومها برائحة صداقة جميلة تولد، أما هى فكانت ظروفها القاسية تجعلها تشعر بالوحدة، وأن الصداقة إنقاذ من الوحدة، يقول: "أعرف معنى التشتت فى الطفولة، أعرف معنى عدم وجود استقرار فى بيت واحد، أعرف معنى الغربة فى الوجود فى منازل الآخرين، حكاية معروفة: طفل يتيم فقد الأم والأب، تربى عند الخال، رفض شفقة الآخرين، طلب الصداقة مع الناس، حاول أن يقدم لهم أحلى ما عنده".

كان صوت حليم أحلى ما عنده، قدمه للناس وهرب به من تلال الأحزان التى تحيطه، إنه يعرف معنى التشتت فى طفولة سعاد، الأب طلق الأم، والأخيرة لها زوج قاس، الأب له أبناء صغار، الكل يبحث لنفسه عن النجاة، ونجاة الصغيرة تحزم أمرها مع الغناء وتكفل على قدر طاقتها الرعاية للأسرة، ونجاة قوية الشخصية إلى الحد الذى تستطيع به أن تمنع أحدًا من استغلالها، وذكاء سعاد يكشف لها من يستغلونها لكنها أطيب من أن تقول لا، يجرحها أن يستغلها أحد وتنزف الدموع فى صمت وتضحك عندما تلتقى بصديق، وينام فى أعماقها إيمان بأن لكل شيء نهاية، ولا بد أن يكون هناك حل، وابتسامتها تضيء وجهها، وعيونها تبرق بالأمل، وتمثل بانطلاق، موهبة حقيقية" ويشاركها حليم رحلة البحث عن الذات فى صخب الحياة، فيمدها بكتب سلامة موسى، ويدفع إليها بكتب مصطفى محمود، وهى تقرأ بنهم، ويجلسها مع كامل الشناوى وإحسان عبد القدوس، تسأل وتتعلم، وتصحبه فى أولى رحلاته الغنائية إلى المملكة المغربية، وتتحدث الصحف عن شعاع أول شرارة حب بينهما، وتحتفى معه بيوم ميلاده هناك، وتقدمه فى وصلته الغنائية بالدار البيضاء فى 24 يونيو 1962، وتصفه بالبلبل الأسمر، ويروى المقربون منهما أن فكرة زواجهما بدأت هناك، وأن حليم أحاط السندريلا بسياج حديدى ارتضته فى سعادة، كان يعرف أسماء زوارها فى بيتها من أرقام سياراتهم، فتارة يرسل من يدون الأرقام أو يذهب بنفسه لمعرفة هؤلاء الزائرين، وكادت القصة أن تكتمل.

"أحببت العندليب وأحبنى جدًا" هكذا تصرح السندريلا للصحفى منير مطاوع أثناء رحلة علاجها الأخيرة فى لندن، وتفسر ذلك بأنه كان فى البداية يعطف عليها "بنت صغيرة تلج إلى عالم جديد، سبقها إليه، وله شهرة ومكانة، لكنه مثلها عاش اليتم والحرمان العاطفى، كان يشعر بها ولا تنكر أفضاله فى خطواتها الأولى المرتبكة "كان متبنينى ومؤمن بى، وحاسس إن أنا حاجة وبينصحنى كتير، ومشاعره خالصة ومخلصة وبيحب بجد، وكان محروم من الحب والحنان، وعلشان كده كانت أغانيه ومشاعره وهو بيغنى فيها مصداقية، كنت أحبه مثل أمه، كان بحاجة إلى أم، وكنت بحاجة إلى أب" وكانت تراجعه فى بعض مواقفه وتصرفاته فيصمت قليلًا ثم ينظر إليها ببراءة طفل حقيقى، ثم يقول: "لك حق يا سوسو".

امتلكت السندريلا فى مستهل مشوارها الفنى سيارة "فيات 128" سوداء اللون، ويروى أن العندليب كان فى طريقه إلى ستوديو مصر حين لمح سيارة تطارد سيارتها فلحق بها وأوقف تلك السيارة وتشاجر مع الشاب الذى يقودها، وكاد يخنقه لولا تدخل الصحفى مفيد فوزى واعتذار الشاب عن فعلته للعندليب الثائر، ووصل الحال بالعندليب والسندريلا أنهما كانا معًا طول النهار والليل، تقول: "كنت معه فى بيته، وكان يعيش يومه في السرير، يفكر ويقرأ ويدندن، ويخطط لمشاريعه الفنية ويقابل أعز أصحابه، علشان يستريح ويتداوى" وطلبت سعاد الزواج لتستقر، لكنه خاف من الزواج وعلى حد تعبيرها "خاف من إن حب إنسانة واحدة، ممكن يخسره حب كل البنات، خاف منى على عبد الحليم حافظ "الفنان"، وافقت على رغبته فى الزواج فى السر، لأنها كانت تحبه فعلًا، إلى أن يتخير الوقت المناسب لإخبار جمهوره بأنه تزوج، واتفقا على إعلان الزواج بعد خمس سنوات، وتضيف: كان يتسلل من بيته فى شارع حسن صبرى ويعيش معها فى شقتها بشارع يحيى إبراهيم، وبدأت تستشعر الضيق بعد أن عاشت ست سنوات عذاب، ولما لم يقتنع بفكرة إعلان الزواج وإلحاحها عليه سماها "عناد حسني" وأصبحت تهرب من أى مكان يتواجد فيه، ومن كل شيء يخصه، ومن صورته وصوته واسمه، وكان هذا على حد وصفها "عذاب ما بعده عذاب".

وعلى الرغم من القول بتراجع حليم عن قراره وأنه أرسل إليها لبحث أمر إعلان الزواج إلا أنها كانت قد حسمت أمرها بعد أن أيقنت أن نجومية العندليب وفنه كانا أهم لديه من أية اعتبارات أخرى، وأيًا ما كانت الحقيقة فلا يوجد دليل قاطع يؤكد صحة الزواج من عدمه، ذلك أن ما نشر عنهما جاء بعد رحيلهما، بينما المؤكد أن روح العندليب فاضت إلى بارئها بمدينة الضباب فى 30 مارس 1977 بينما صعدت روح السندريلا إلى خالقها بنفس المدينة وفى يوم ميلاد العندليب.