إنها مصر

ما يحدث ليس بالصدفة

كرم جبر
كرم جبر

لن أهاجم الحكومة والوزراء فكلنا شركاء فى المسئولية، وكان الرئيس منذ البداية صريحاً إلى حد الصدمة فى وضع الحقائق كاملة أمام الناس، لم يخف شيئاً ولم يبحث عن التصفيق والهتاف، واتخذ قرارات صعبة تنتقص من شعبية أى زعيم.

لم يتسلم الرئيس وطناً متعافياً وغنياً وقوياً، بل دولة مفككة ومتهاوية ومتحاربة، وفئات اجتماعية كارهة لبعضها وتتمنى غرق السفينة بمن فيها، أصوات زاعقة تهيئ الأجواء لإشعال فتيل الحرب الأهلية.

ولم يقدم الرئيس وعودا للمصريين بالجنة وإنما ببذل قصارى الجهد والعمل الشاق، لبناء الدولة وعدم سقوطها ومحاربة الإرهاب بنوعيه السلاح والأفكار.
كنت أضع يدى على قلبى عندما أرى المشروعات الضخمة تنشق عنها الأرض كل يوم، وعندما كنت أرى الحسد فى عيون كثير من الأشقاء الذين يمتلكون ثروات طائلة، وبدأت الشعوب وحكامها يقولون "شوفوا السيسى بيعمل إيه"؟

كنت أضع يدى على قلبي، فبحكم دراستى المتعمقة لتجربتى محمد على وعبد الناصر، خشيت من عرقلة التجربة المصرية الناهضة إما بالحرب المعلنة أو الخفية.

لا يمكن أن يتركوا مصر تنهض وتقود الشرق، ففى قيامها خطر، والمصريون جبابرة حين يتمكنون، ويساندهم تاريخ طويل من الحضارة والوعى والثقافة والآداب والفنون، وإذا انطلقت مصر لن يستطيع أحد إيقافها.

وتوقعت منذ اللحظات الأولى لأحداث غزة أن يكيدوا لمصر لتدفع ثمن مواقفها الشجاعة المنفردة التى لم تتخذها أى دولة أخرى، وظلت تتلقى الضربات فى صدرها ولم تتراجع خطوة للوراء.

ولا أتصور أن أزمة الكهرباء الحالية وراءها نقص الغاز الطبيعى فقط، فالأصابع الخفية تحرك خيوط الحصار شرق المتوسط، وتدير تحالفات بديلة، وتبرم اتفاقات ظاهرها التعاون، وباطنها حصار مصر اقتصادياً.

ولا أتصور أن الأمر سوف يقف عند هذا الحد، فمصر هدف ثابت ويحاك لها سلسلة من المؤامرات الصغيرة التى تؤدى إلى خسائر كبيرة، وفى عيون مدبريها براءة الأطفال، وكُتب عليها أن تعيش فى منطقة دائمة التوتر.

الغاز ليس وحده ولكن حزمة الحصار المتوالى فى عام واحد وكأنها جاءت بالصدفة، لتضرب موارد الاقتصاد المصرى شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، وتركز على عجز موارد النقد الأجنبى، لإصابة البلاد بالعجز عن شراء احتياجاتها وسداد الالتزامات.

والحل ليس دائماً الارتفاع فوق الصغائر، بل بالكشف عن الحقائق ومصارحة الناس بما يحاك لبلدهم فى العلن والخفاء، حتى يدركوا حجم المؤامرات وأهمية الاصطفاف والوقوف وراء دولتهم.

أليس غريباً أن يتوحد الخطاب الإعلامى الإسرائيلى والإخوانى والأمريكى والغربى على قضية واحدة هى تحريض الناس باستمرار، وكأن الشماتة والحرب الخفية ستكون بديلاً للغاز فى أزمة الكهرباء، فتملأ المحطات وتخفض ساعات قطع التيار.

والحل المصارحة الجريئة والمواجهة المستمرة واستعادة الثقة والالتزام بالتعهدات.. والاستعداد التام لإجهاض الأصناف أخرى من الأزمات التآمرية على غرار انقطاع الكهرباء.