فرنسا على مفترق طرق|سيناريوهات ما بعد الانتخابات المبكرة تهدد بأزمة سياسية «غير مسبوقة»

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

تقف فرنسا على أعتاب مرحلة سياسية حرجة مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المبكرة في 30 يونيو و7 يوليو، وفي تقرير مفصل نشرته صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية، تم الكشف عن مجموعة من السيناريوهات المحتملة التي قد تشكل مستقبل البلاد السياسي والاقتصادي، إذ انه مع توقعات بعدم حصول أي حزب على أغلبية برلمانية، تتصاعد المخاوف من دخول فرنسا في أزمة مؤسسية قد تزعزع استقرارها وتأثيرها في الاتحاد الأوروبي.

 

التكنوقراط الملاذ الأخير 


في ظل الانقسامات السياسية الحادة، يكشف تقرير "بوليتيكو" أن الأوساط السياسية الفرنسية بدأت في التفكير جديًا في خيار تشكيل حكومة طوارئ من الخبراء" حكومة تكنوقراط"، مستلهمة النموذج الإيطالي. 


ويشير إريك لاندو، الخبير في القانون العام، إلى أن "أحد الحلول قد يكون تعيين حكومة من الخبراء قادرة على الصمود لمدة عام أو نحو ذلك".

 

وفي هذا السياق، يطرح التقرير أسماء بارزة كمرشحين محتملين لقيادة مثل هذه الحكومة، من بينهم جان كلود تريشيه، الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي البالغ من العمر 81 عامًا، وكريستين لاجارد، الرئيسة الحالية للبنك. 

 

ويرى المحللون أن مثل هذه الحكومة قد تكون قادرة على تحقيق الاستقرار المؤقت، لكنها ستواجه تحديات كبيرة في تمرير إصلاحات جوهرية أو إجراء تخفيضات في الميزانية.

اقرأ أيضا: مناظرة الفرصة الأخيرة.. كيف سيؤثر أداء المرشحين على الناخبين الفرنسيين ؟


اليمين بين إغراء السلطة ومخاطر الحكم

 

يسلط تقرير "بوليتيكو" الضوء على الموقف المعقد لليمين المتطرف في فرنسا، فمع التوقعات التي تشير إلى حصول حزب التجمع الوطني على أكبر كتلة برلمانية، قد يجد الرئيس ماكرون نفسه في موقف صعب، مضطرًا لتعيين جوردان بارديلا، زعيم الحزب البالغ من العمر 28 عامًا، كرئيس للوزراء.

 

ويقول جان إيف كاموس، المتخصص في شؤون اليمين المتطرف: "أجد صعوبة في تصديق أن بارديلا سيرفض رئاسة الوزراء، فملايين الناخبين من التجمع الوطني ينتظرون هذه اللحظة بفارغ الصبر". 

 

ومع ذلك، يشير كاموس إلى أن بارديلا قد يرفض تولي المنصب دون أغلبية برلمانية واضحة، تجنبًا لتشويه صورة الحزب قبل الانتخابات الرئاسية في 2027.

 

ويضيف التقرير أن تشكيل حكومة يمينية متطرفة قد يواجه معارضة شديدة من الأحزاب الأخرى، مما قد يؤدي إلى سقوطها سريعًا من خلال تصويت بحجب الثقة. 

 

هذا الوضع قد يدفع مارين لوبان، الزعيمة التاريخية لليمين المتطرف، إلى تفضيل البقاء في المعارضة استعدادًا للانتخابات الرئاسية القادمة.

 

تحالف اليسار الهش

على الجانب الآخر من الطيف السياسي، كشفت الصحيفة عن الصعوبات التي تواجه اليسار الفرنسي، فبالرغم من نجاح الأحزاب اليسارية الرئيسية في تشكيل تحالف بعد قرار ماكرون المفاجئ بحل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة، إلا أن هذا التحالف لا يزال هشًا ومعرضًا للانقسامات الداخلية.

 

ويبرز التقرير الخلافات الحادة حول ترشيح جان لوك ميلانشون، زعيم حزب فرنسا الأبية، لمنصب رئيس الوزراء، وينقل عن مسؤول في الحزب الاشتراكي قوله: "أعتقد أن هناك إجماعًا متزايدًا على أنه لا يمكن أن يكون ميلانشون، والآن علينا إيجاد طريقة لإيقافه... إنه مثير للجدل للغاية ومكروه من قبل الفرنسيين".

 

ويشير التقرير إلى أن عدم قدرة اليسار على الاتفاق على مرشح موحد لرئاسة الوزراء قد يضعف موقفه في المفاوضات مع ماكرون، حتى لو حصل على أغلبية نسبية في البرلمان.

 

ماكرون بين مطرقة الاستقالة وسندان السلطات الاستثنائية

 

يختتم تقرير "بوليتيكو" بتحليل معمق للخيارات المتاحة أمام الرئيس ماكرون في حال استمرار الأزمة السياسية، فبينما تدعو مارين لوبان، زعيمة اليمين المتطرف، ماكرون إلى الاستقالة في حال تعثر البلاد، يشير التقرير إلى إمكانية لجوء الرئيس إلى "السلطات الاستثنائية" المنصوص عليها في الدستور.

 

ويذكر التقرير أن هذه السلطات الاستثنائية لم تستخدم سوى مرة واحدة في تاريخ الجمهورية الخامسة، وذلك بعد محاولة انقلاب قام بها جنرالات فرنسيون متقاعدون في الجزائر ضد الرئيس شارل ديجول. 

 

ويؤكد مستشار رئاسي أن ماكرون "يعرف دستوره عن ظهر قلب"، مما يشير إلى استعداده لدراسة جميع الخيارات المتاحة للخروج من الأزمة المحتملة.

 

ويضيف التقرير أن اللجوء إلى مثل هذه السلطات الاستثنائية قد يثير جدلًا واسعًا في فرنسا وأوروبا، ويضع الديمقراطية الفرنسية تحت المجهر الدولي.

 

التداعيات الاقتصادية

 

يحذر تقرير "بوليتيكو" من التداعيات الاقتصادية الخطيرة للأزمة السياسية المحتملة، فمع تزايد المخاوف بشأن الديون العامة والمالية العامة لفرنسا، قد تؤدي حالة عدم اليقين السياسي إلى زعزعة ثقة الأسواق في ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو.

 

ويشير التقرير إلى أن حكومة تكنوقراط قد تجد صعوبة في تمرير ميزانية أو تنفيذ إصلاحات اقتصادية ضرورية، مما قد يعرض فرنسا لعقوبات من المفوضية الأوروبية بسبب ديونها وماليتها العامة. هذا الوضع قد يحول فرنسا إلى "الطفل المشاغب" في الاتحاد الأوروبي، مما يهدد استقرار منطقة اليورو بأكملها.