إسرائيل دولة «مأزومة»| فشل في غزة.. وسعي للانتحار بجنوب لبنان

نتنياهو خلال زيارة لمستوطنة كريات شمونة
نتنياهو خلال زيارة لمستوطنة كريات شمونة

لم يعد خافيا على أحد أن تلك المرحلة التى تعيشها إسرائيل هى الأكثر سوءا فى تاريخها الذى لم يتجاوز الـ ٧٦ عاما على كافة الأصعدة ولن نبالغ ان الأشهر الثمانية الأخيرة كشفت المستور وأنهت مسلمات عديدة وتحولت إسرائيل الى دولة معزولة تعيد الكثير من عواصم العالم النظر فى علاقاتها الدبلوماسية معها، تتعرض لأحكام دولية وأحكام بالإبادة الجماعية وارتكاب جرائم ضد الإنسانية بل وصل الامر ببعض قادتها إلى الخوف من الاعتقال والمحاكمة كما سقطت خرافة الجيش الذى لا يقهر كما انكشف بصورة واضحة أمنها القومى بدخول اطراف جديدة ولأسباب عديدة ساحة المواجهة.

 والأخطر وفى ظل ذلك كله تسعى تل ابيب وتخطط  بأسباب غير مفهومة ولا تخضع لمنطق او عقل الى فتح جبهة جديدة مع حزب الله فى لبنان وهى مواجهة غير مضمونة النتائج والعواقب وقد تجر المنطقة الى صراع إقليمى يخشاه الجميع ويسعى الى تجنبه الا قادة إسرائيل فقط والذى يمثل انتحارا سياسيا وعسكرى للعديد من الأسباب نتوقف عند بعضها وهى كالتالى :

أولا :  إسرائيل تعيش حالة فوضى مؤسسية وخلافات غير مسبوقة وصلت الى مستوى صراع ارادات بين المستويين السياسى والعسكرى وتمثل فى مظهرين فى الايام الماضية: 
١- ما يخص الازمة مع لبنان وهى الخلاف غير المسبوق والعلنى  الذى لم يحظ بتغطية واسعة بين وزير الدفاع  يوأف غالانت ووزارة الخارجية الاسرائيلية حول المقترح الفرنسى الذى تعمل عليه باريس لايجاد الية مشتركة تضم فرنسا وامريكا واسرائيل لاحتواء التوتر والحيلولة دون خروج الامور عن السيطرة وبالتشاور والتنسيق مع السلطات اللبنانية وتحدث عنها ماكرون فى قمة السبع الاسبوع الماضى ومن المعروف ان باريس منذ الشهر الماضى تطرح مبادرة  تتضمن وقف الاعمال العدائية بين الجانبين وانسحاب قوات الرضوان التابعة لحزب الله ومجموعات مسلحة آخرى حتى مسافة عشرة كيلومترات من الحدود بين البلدين مع منح قوات الأمم المتحدة اليونيفيل حرية الحركة فى المنطقة وتعزيز دور الجيش اللبنانى وقد تم رفض الالية  من قبل وزير الدفاع الاسرائيلى وقال ان بلاده لن تكون جزءا من هذا المسعى ووصل الامر الى اعتبار الوزير المقترح الفرنسي (جزءا من السياسات  الفرنسية المعادية لإسرائيل) وجاء الرد على الوزير من وزارة الخارجية الاسرائيلية وليس الفرنسية والتى اعلنت استنكارها لتصريحاته وقالت فى بيان لها (انها  غير صحيحة وفى غير محلها رغم وجود خلافات قائمة بين البلدين وعددت مواقف فرنسا الداعمة لإسرائيل على المستوى العسكرى والسياسى الذى تقدمة فرنسا لإسرائيل) 

٢- الخلاف حول الهدنة التكتيكية للعمليات العسكرية فى قطاع غزة الذى كشف عن عمق الازمة بين المستوى السياسى والعسكرى فى اسرائيل بحجة السماح بإدخال المساعدات الإنسانية للقطاع حيث لم يناقش الامر ولم يعرض على مجلس الوزراء واعلن نتنياهو  انه سيجرى تحقيقا فى صدوره ولم يتم التنسيق معه كما قال ووصفه بأنه قرار غير مقبول ونقل عنه قوله فى اجتماع للحكومة المقولة الاخطر التى تكشف عن عمق الازمة التى تعيشها المؤسسات الحاكمة فى تل ابيب حيث قال ( اسرائيل دولة لها جيش وليس جيش له دولة ) والذى يمثل نيلا مباشرا من المؤسسة العسكرية التى حظيت بتقديس منذ قيام الدولة فها هو رئيس الوزراء يشكو من توغلها على المستوى السياسى وقد اضطر الجيش الى العودة الى الخلف قليلا  حيث تم تسريب معلومة ان وزير الدفاع يوآف غالانت نفسه لم يعرف بالهدنة التكتيكية مسبقا وسارع الجيش  الى تصحيح الامر بان التهدئة لا تعنى وقف القتال ودافع عن موقفه وقال بيانه ( بأن قرار التهدئة التكتيكية قرار عسكرى يخضع لسلطة قائد القيادة الجنوبية ولا يحتاج الى موافقة سياسية). 

ثانيا : اتباع منهج الهروب الى الامام دون اى خطة مستقبلية على الصعيدين العسكرى والسياسى والامر يحتاج الى مزيد من التفاصيل، ففى الوقت الذى لم تستطع اسرائيل طوال اكثر من ثمانية اشهر تحقيق اهدافها الثلاثة فى قطاع غزة القضاء على المقاومة وضمان عدم تكرار ما حدث فى اكتوبر الماضى والافراج عن الاسرى والمحتجزين تسعى الى مواجهة مع حزب الله بقدراته التى تفوق المقاومة بعشرات المرات، كما تشير التحليلات العسكرية الاسرائيلية الى ان  قدرة حزب الله فى حال توسيع العمليات على اطلاق ٤٠٠٠ صاروخ يوميا خلال الأيام العشر الاولى و٢٠٠ خلال شهر بعدها وكان من اللافت ان الحزب  قام خلال الايام الماضية  بإطلاق ١٦٦ صاروخا  على الشمال والجليل الاسرائيلى.

وهناك بعدٌ ثانٍ ان الحكومة فشلت فشلا ذريعا فى تحقيق هدف الافراج عن العشرات من الاسرى فماذا ستفعل مع الالاف من سكان المستوطنات الاسرائيلية فى الشمال الذين دخلوا منذ بداية هذا الأسبوع على خط الاحتجاجات بالقيام بمظاهرات فى القدس وقد بدأت الازمة بقيام إسرائيل بإجلاء سكان ٢٨ مستوطنة بعد  اقل من عشرة ايام على طوفان الأقصى ممن يعيشون على بعد كيلومترين من الحدود ووصل عددهم وفقا للإحصاءات الإسرائيلية الى حوالى ١٢٥ الفا منهم ١٠٠ ألف اصبحوا لاجئين يعيشون خارج منازلهم مع تعطلهم عن العمل وتوقف الطلاب عن تلقى التعليم.

وبعد فإن إسرائيل تمارس لعبة الجنون إذا قررت فى كل تلك الظروف الدخول فى مواجهة غير مأمونة العواقب ومفتوحة مع كافة الاحتمالات، إذا قررت الدخول فى مواجهة على صعيد الجبهة اللبنانية فهل تفعلها تل أبيب؟.. الإجابة خلال الأيام القادمة.