فى الصميم

نتنياهو والكونجرس.. و«ديمقراطية مجرمى الحرب»!

جـلال عـارف
جـلال عـارف

ربما لو أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال ضد مسئولين كبار فى الولايات المتحدة نفسها، لما وجدنا هذه الهستريا التى انتابت أعضاء الكونجرس «وخاصة بالمجهوريين من أتباع ترامب» بعد أن طلب مدعى المحكمة الجنائية إصدار أوامر أعتقال ولية بحق نتنياهو ووزير دفاعه!!.

صحيح أن الموسم الانتخابى فى أمريكا له أحكامه.. وأن النفوذ الصهيونى كبير، وأن التبرعات الانتخابية المؤثرة تأتى من مناصرين لإسرائيل لحد كبير.. لكن هذا كله لا يبرر هذه «الهستيريا» التى تحيل الكونجرس عند أغلبية أعضائه إلى ساحة لاستعراض الولاء لإسرائيل والدفاع عن جرائمها على حساب ما تبقى من سمعة لأمريكا وادعاءات حول ديمقراطيتها!!.

سارع الجمهوريون فى مجلس النواب بالاعلان عن دعوة نتنياهو للحديث فى جلسة مشتركة مع مجلس الشيوخ، وبعد تمنع من الديمقراطيين  بسبب الخلاف بين نتنياهو وبايدن، انضموا للدعوة التى قبلها مجرم الحرب فورا وفى انتظار التوافق على موعدها. ورغم أن استضافة برلمان الدولة الكبرى لمجرم حرب هى فضيحة بحد ذاتها، إلا أن لها سوابق فى الحياة السياسية الأمريكية أشهرها كانت مع نتنياهو نفسه فى آخر عهد أوباما الذى كان على خلاف مع الكونجرس ومع نتنياهو ورفض استقباله فى البيت الأبيض!

الفضيحة الأكبر جاءت بعد ذلك حين وافق مجلس النواب الأمريكى على قانون يسمح بمعاقبة المحكمة الجنائية الدولية وقضاتها إذا حققوا أو حاكموا أو اعتقلوا أى شخص تحت الحماية الأمريكية سواء كان أمريكياً أو من مواطنى الدول المتحالفة مع واشنطن «!!» وقد يمر هذا القانون أيضا من مجلس الشيوخ، لكن البيت الأبيض -رغم عدم اعترافه بالمحكمة - فإنه أكد على رفضه  أى إجراءات عقابية ضد المحكمة بالجنائية وقضاتها!
وربما لا تكون هذه هى السابقة الأولى لأمريكا مع الجنائية الدولية، لكنها هذه المرة تبدو كجريمة ضد العدالة.. وأيضاً ضد أمريكا نفسها!!

قبل أربعة أعوام فقط كان الرئيس السابق «ترامب»، قد أقر عقوبات على قضاة المحكمة تمنعهم من دخول أمريكا والإقامة فيها هم وأسرهم، لكن الرئيس بايدن قام فى العالم الماضى بإلغاء تلك العقوبات التى كان مبررها الخوف من فتح تحقيق حول جرائم حرب فى أفغانستان «!!».. الأمر هنا يختلف والفضيحة أكبر: الجريمة إسرائيلية، والكونجرس ينتفض لحماية مجرم الحرب نتنياهو ويقول بكل وضوح: العدالة لا تنطبق أبداً على أمريكا وحلفائها مهما ارتكبوا جرائم. ومن يخالف هذه القاعدة سوف نحاسبه ونعاقبه!!

سقوط أخلاقى لا مثيل له، خاصة بعد الكشف عن الضغوط التى مارستها أمريكا لمنع القضاة من إدانة نتنياهو، وبعد إزاحة الستار عن جهود «الموساد»، الإسرائيلى فى التجسس على قضاة المحكمة والضغط عليهم، وسقوط أخلاقى وانهيار لمؤسسة الديمقراطية أمام النفوذ الصهيونى ستكون له عواقبه الوخيمة. بالتأكيد هناك نماذج عظيمة مغايرة «مثل السناتور ساندرز»، وشباب الجامعات والرافضين للصهيونية النازية بكل أشكالها.. لكن أمريكا تعانى من نخبة فاسدة، وتواجه السؤال الأخطر: هل أصبحت مهمتنا الأساسية هى حماية مجرمى الحرب.. وهل نستطيع؟!