مبادرة «أكون» محاولة للارتقاء بـ«جامعى القمامة» وتنمية مهاراتهم

حكايات| «تريزا» تحول القبح إلى جمال في «منشأة ناصر»

تريزا
تريزا

■ كتبت: مروة أنور

فى «منشأة ناصر» بالقاهرة، قصة تحتاج أن تُحكى، بطلتها سيدة استطاعت أن تحوُّل القبح إلى جمال، ففى هذه المنطقة الشعبية المعروفة بـ«حي الزبالين» أصرت تريزا سعيد على تغيير اسمه إلى «حى مهندسى البيئة»، انطلاقًا من أن جامعي القمامة أصحاب الفضل فى تخليص المجتمع من المخلفات، ويعملون على فرزها وإعادة تدويرها لاستخدامها مجددًا فى شتى مجالات الحياة.

زارت «آخرساعة» مؤسسة «مساحة أكون» ورصدنا ما تقدمه من دعم لأهالى الحى.. نقطة الانطلاق كانت من خلال التمركز فى شقة صغيرة فى منزل داخل الحى، ففى هذا المكان يجتمع الأطفال والأمهات، ويتلقون برامج تنموية هدفها تغيير السلوك ومحو الأمية وتنمية الفكر التربوى، والأغرب أن هناك فصولًا يجلس فيها طلاب جامعيون يتابعون دورات تدريبية، حيث توفر هذه المؤسسة تدريبًا عمليًا لطلاب الجامعات. 

تقول مريم نبيل، طالبة بالفرقة الثانية فى كلية الآداب بجامعة القاهرة، إن الجامعة رشحّت عددًا من طلاب قسم الاجتماع بالكلية لمؤسسة «أكون» لتدربهم على كيفية تغيير سلوكيات الأطفال والأمهات فى المجتمعات العشوائية، وداخل المؤسسة تقدم تريزا كورسات تعليمية لطرق التعامل مع طفل العشوائيات وخلق مناخ ابتكارى وإبداعى له.

أما زميلتها بالفرقة الثالثة بالكلية ذاتها، رحمة على، فقالت إن الكلية وزعّت عددًا من الطلاب على «مساحة أكون»، وهى توفر العينة اللازمة لبحث علمى عن «عمالة الأطفال»، وأضافت: «نعمل هنا على إعادة تدوير القمامة، كالشنط والألعاب وغيرها من الأشياء».

◄ اقرأ أيضًا | تعرف علي الراهبة إيمانويلا التى حولت حي الزبالين الي جنة | فيديو

أما صاحبة فكرة «مساحة أكون»، تريزا سعيد، فهى خريجة قسم الفلسفة بكلية الآداب وقضت 14عامًا فى مجال المجتمع المدنى، وقد أوضحت لـ«آخرساعة» أن المكان يستقبل 25 طالبًا من قسم علم الاجتماع بجامعة حلوان، لتدريبهم على كيفية التعامل مع الأطفال والتعايش مع مشكلاتهم، مع التركيز على خمسة محاور وهى الجانب النفسى والاجتماعى والبيئى والتعليمى، وعلى مدار أربعة شهور تم التدريب مع أكثر من 80 طفلًا، وتعليمهم كيفية تكوين علاقات وصداقات ورفع ثقتهم بأنفسهم، وهناك من الطلاب من أخذ قرارًا باستكمال العمل داخل المؤسسة بشكل تطوعى بعد انقضاء فترة التدريب.

واختيار اسم «مساحة أكون» لهذه المؤسسة له قصة، حيث تقول تريزا: «الهدف من هذا الاسم هو رغبتى فى خلق مساحة آمنة لأطفال وأهالى الحى، بخلاف تعليمهم وتنمية مهاراتهم وتعديل سلوكهم، وحلم حياتى هو تغيير صفة (جامع قمامة) إلى (مهندس بيئة) مثلما الحال فى اليابان».

وتحكى صاحبة الفكرة: «لقد عشت فى حى منشأة ناصر وواجهتنى تحدياتٍ صعبة، ومن الأمور التى تعلمتها هنا القدرة على تغيير الواقع عن طريق الإبداع والابتكار، فقد حولت بيئة القمامة التى تحيط بى من كل جانب إلى مواد فنية ولوحات إبداعية، ومن رحم الأزمة تولد الفكرة، لذا جاءت فكرة مبادرة (مساحة أكون) أثناء فترة جائحة كورونا، وكان المكان الذى أعيش فيه هو مصدر الإلهام لتأسيس مبادرة لخلق مساحة آمنة وترفيهية للأطفال، والفكرة شبيهة بتجربة الراهبة الفرنسية «مانويلا» التى كانت تحتضن الأطفال والأهالى من جامعى القمامة فى منطقة «الزرايب» القريبة من عزبة النخل، وكان لها دور مهم فى فترة السبعينيات من خلال تقديم حياة آدمية لسكان المكان والمساعدة على تعليمهم وإنشاء مشروعات تنموية لهم، فقد جاءت إلى المنطقة زائرة ثم قررت الإقامة الدائمة بها، وعلى مدى سنوات نجحت فى تغيير ملامح المنطقة لكنها لم تغير طبيعتها، فقامت بتعليم الأهالى كيف يبنون منازلهم بأيديهم واستبدلوا بالعشش الصفيح مبانى خرسانية، بينما بقيت القمامة أمرًا اعتياديًا.

وتضيف تريزا: «من هذا المنطلق صممت على مواصلة العمل على فكرة مؤسسة (مساحة أكون) إلى أن تخرج للنور، وبالفعل تطوّرت الفكرة عن طريق التواصل مع أمهات حى جامعى القمامة، وفى البداية لم تكن هناك أى استجابة ولكن مع الوقت بدأت الأهالى تستجيب، ثم بدأ الدعم المادى يأتى من المتطوعين داخل الحى، وعلى الجانب الآخر بدأ الشباب المتعلمون بالحى يأتون إلينا لتقديم ورش عمل كلٌّ فى مجال تخصصة بشكل تطوعى لتعليم الأطفال القراءة والكتابة وتنمية المهارات وتعديل السلوك».

وتشير تريزا إلى أن لقب «جامع قمامة» كان يتسبب فى حرج شديد لأهالى الحى، وكان ذلك الدافع الرئيسى لتأسيس مبادرة «مساحة أكون»، وتعليم الأطفال التفاخر بعمل آبائهم وعملهم لأنهم المسئولون عن النظافة وعن حماية البيئة وأن يعيش جميع المواطنين فى صحة بعيدًا عن الأوبئة والأمراض، بالإضافة لتحويل القمامة إلى كنوز من خلال إعادة التدوير، كما تقدم المبادرة برامج توعية لأمهات الأطفال من خلال برنامج «مصطبة» الذى يضم عددًا كبير من سيدات الحى، ويهدف إلى توعيتهن بطرق التربية السليمة للأبناء وتوعيتهن بأهمية تعليمهم، بالإضافة لعمل برامج تعليمية على طرق إعادة تدوير المخلفات لنخرج منها الكنوز والبداية تكون بتعقيم القمامة وفرزها لإعادة تدويرها، بحيث يمكن إنتاج ألعاب وآلات موسيقية وتوفير مكتبة تضم الكثير من الكتب وكل هذا من المخلفات.