أوراق شخصية

أشهر (لا) فى التاريخ

آمال عثمان
آمال عثمان

يفتقد الكثيرون امتلاك شجاعة الرفض، والقدرة على قول «لا»، حين يستوجب قولها، ويفضلون كلمة «نعم» التى قد تكلفهم الكثير، وتشكل عليهم عبئاً نفسياً جسيماً، إرضاءً أو خشيةً من الآخرين، وتجنباً لتوابع وعواقب قول «لا» ونتائجها، وإذا كنا نشعر أحياناً بتأنيب الضمير من عدم الإذعان لمطالب الآخرين، فالندم الذى يعترينا لعدم قول «لا» التى تقتضيها مواقف فى حياتنا، يكون أشد ألماً ووجعاً وتأثيراً على مشاعرنا، وقد يفقدنا الرضا عن أنفسنا، ويبدد احترامنا لذواتنا.  

وهنا تحضرنى قصة أشهر «لا» قالتها امرأة سوداء شجاعة، فى زمن قلما يستطيع أن يقولها الرجال، زمن كان ينحنى فيه الجميع صاغرين أمام عبارة «ممنوع دخول السود» البغيضة، ويرضخون بخنوع أمام قانون يفرض على الإنسان الأسود منح مقعده للشخص الأبيض، إذا لم يجد مقعداً فارغاً فى المواصلات العامة، حتى جاء اليوم الذى رفضت فيه المرأة السوداء «روزا باركس» أن تترك مقعدها، وقالت «لا» الشهيرة فى وجه الرجل الأبيض، رغم صراخ وتهديدات وسباب الركاب أصحاب البشرة البيضاء، وتوقف سائق الأتوبيس عن استكمال طريقه، وتوجهه إلى قسم الشرطة، التى اعتبرت رفض المرأة السوداء التنازل عن مقعدها، اعتداء على حقوق الجنس الأبيض، وأمرت بتغريمها 15 دولاراً عقاباً لها.

لكن امتلاكها سلطة «لا» التى أطلقتها بشجاعة، كانت الشرارة التى أشعلت ألف «لا» إيذاناً بانطلاق حملة لمقاطعة المواصلات تضامناً معها، وامتداد حالة الغضب والسخط 381 يوماً، حتى حكمت إحدى المحاكم لصالحها، ولتستمر حركة الحقوق المدنية والمطالبة بإلغاء القوانين العنصرية، وحين رحلت تلك المرأة الشجاعة عن عمر 92 عاماً، وضع جثمانها بأحد مبانى الكونجرس تكريماً لها، لم يحظ به خلال مدة 170 عاماً سوى 30 شخصاً.

ورغم التكريمات التى حظيت بها «روزا»، وغيرها من الشخصيات العظيمة التى كافحت ضد الاستعباد والقهر والذل والعنصرية، وناضلت عقوداً طويلة من أجل حصول أصحاب البشرة السوداء على حقوقهم وحرياتهم، إلا أن إرث العبودية مازال يلقى بظلاله على الولايات المتحدة الأمريكية، ومازالت العنصرية تطل برأسها على المجتمع الأمريكي، وهنا يطل سؤال طالما شغلنى كثيراً، كيف يمكن لأصحاب البشرة السوداء الذين ذاقوا مرارة الظلم والاضطهاد والتعسف والعنصرية، أن يتحالفوا مع محتل مغتصب جائر، ويدافعوا عن المواقف الصهيونية بصورة قد تكون أحياناً أبشع من أصحاب البشرة البيضاء؟!