آخر صفحة

حامد عز الدين يكتب: «إنك ميت وإنهم ميتون»

حامد عز الدين
حامد عز الدين

الموت هو نهاية كل كائن حي. وهو المعنى في قول الله سبحانه وتعالى لحبيبه وصفيه المصطفى صلى الله عليه في الآية 30 من سورة الزمر: «إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُون». وميت «بتشديد الياء» تعنى قابل للموت، أما من مات بالفعل فهو ميت «بتسكين الياء». الميِّت ـ بالتشديد: هو غالباً ما يعبَّر به عن الحي الذي فيه الروح، الميْت ـ بالتسكين ـ: هو الذي خرجت روحه منه، فالميِّت: مخلوق حي، مازال يعيش حياته، وينتظر أجله، فهو ميَّت مع وقف التنفيذ، ونرى هذا المعنى واضحاً في قوله تعالى وهو يخاطب رسوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ. ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُون)، الآية الكريمة تخبره بأنه سيموت وأن خصومه الكفار سيموتون، والميْت: هو المخلوق الذي مات فعلاً وخرجت روحه وأصبح جثة هامدة، وأطلق القرآن هذا اللفظ على: البلد الميْت، فقال الله تعالى: (وَآيَةٌ لَّهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ)، ولعلنا نستشف هذه المعاني من حركات الكلمتين، فالـميِّت: ياؤه مشددة، ويشير إلى إقبال الإنسان الحي على حياته الدنيا، وانهماكه فيها، وحرصه عليها بكل ما أوتي من قوة وشدّة. أما الميْت: الذي خرجت روحه، فياؤه ساكنة غير متحركة، ولعلها إشارة إلى سكون هذا الإنسان وهدوئه بعد أن تذهب النفس إلى بارئها وتوقفه عن التنفس في قوله تعالى في سورة الفجر: «يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي» .

وتكرر لفظ الحياة ومشتقاتها بما يخص الخلق والأحياء في القرآن الكريم (145) مرة وذكر الموت ومشتقاته بما يخص الموت والفناء كذلك (145) مرة . 

وفي الآية الثانية من سورة الملك يقول المولى سبحانه وتعالي: «الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ» . أي أن الله سبحانه خلق الموت والحياة، وقدم الموت على الحياة، لأن الموت هو ماسبق كل حياة فهو الأقدم لأنه يعادل العدم لأن الأشياء فى الابتداء كانت فى حكم الموت. فيما يرى القرطبى ما ملخصه قوله: (الذي خَلَقَ الموت والحياة).. قيل: الذى خلقكم للموت والحياة، يعنى: للموت فى الدنيا والحياة فى الآخرة . 

وفي المعنى اللغوي لكلمة «موت» في قاموس مقاييس اللغة: (موت) الميم والواو والتاء أصل صحيح يدل على ذهاب القوة من الشيء. والموت: خلاف الحياة، وإنما قلنا: أصله ذهاب القوة، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: من أكل من هذه الشجرة الخبيثة فلا يقربن مسجدنا، فإن كنتم لا بد آكليها فأميتوها طبخا والموتان: الأرض لم تحي بعد بزرع ولا إصلاح، وكذلك الموات: قال الأصمعي: يقولون اشتر من الموتان، ولا تشتر من الحيوان . فأما الموتان، بالسكون وضم الميم ، فالموت ، يقال : وقع في الناس موتان ، ويقال : ناقة مميت ومميتة للتي يموت ولدها، ورجل «موتان الفؤاد، وامرأة» موتانة، وأميتت الخمر: طبخت . والمستميت للأمر: المسترسل له . والموتة: شبه الجنون يعترى الإنسان، والموتة: الواحدة من الموت، والميتة حال من الموت، حسنة أو قبيحة، ومات ميتة جاهلية.  

والبعض يخلط ما بين الموت والوفاة. ويقول تعالى في الآية 39 من سورة الزمر: «اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا  فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» . إذن فالمقصود به المنام، وليس المقصود به الوفاة الحقيقية. والوفاة في القرآن تأتي على ثلاثة معانٍ: تأتي بمعنى الموت، ومن ذلك قول الله تعالى في الآية 61 من سورة الأنعام: «ثُمَّ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا»، وتأتي بمعنى النوم، كقوله تعالى في الآية 60 من سورة الأنعام: «وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ»، وقول الله سبحانه في الآية 42 من سورة الزمر: «اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا». وتأتي بمعنى الرفع، ومنه قول الله لعيسى ابن مريم في الآية 55 من سورة آل عمران: «إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ» . والمقصود من هذا كله أن الوفاة هنا بمعنى النوم، والنبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استيقظ قال «(الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور)، فسمى النوم موتة صغرى . 

وفي الأسبوع المقبل إن كان في العمر بقية بمشيئة الله نواصل التدبر في آيات الله سبحانه وتعالى .