الخروج عن الصمت

صلاح الدنيا من أجل الآخرة

محمد عبدالواحد
محمد عبدالواحد

محمد عبدالواحد

إذا أردت أن تصلح دنياك من أجل آخرتك، فتمعن جيدًا فى كلمات خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز، عن مَيْمُون بْن مِهْرَانَ، قال: «قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِجُلَسَائِهِ: «أَخْبِرُونِى بِأَحْمَقِ النَّاسِ» ؟
قَالُوا: رَجُلٌ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَاهُ !!
فَقَالَ عُمَرُ: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَحْمَقَ مِنْهُ؟
«قَالُوا: بَلَى.
قَالَ: «رَجُلٌ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ» !!
إذا أردت ابتغاء الآخرة، فعليك إصلاح سعيك فى الحياة حتى لا تشعر بمرارة لقمة العيش، ولكى تتجنب مرارتها، عليك أن تطب مذاقها حتى لا تتحمل وزرها، وهنا يتبادر إلى الأذهان، كيف للإنسان أن يطب مذاقها، أقول له: بأن يتحرى فى سعيه وكسبه، أن يكون مصدر ماله من حلال، وكلما كانت الرحلة شاقة، فاعلم أن السعى فيها كان مُضنيًا لتحرى مصدره. ومهما طالت الرحلة، حاول دائمًا أن تجدد صفحاتها واطوِ منها ما يؤذيك واغتنم منها ما ينفعك ويعينك ويكون خير زادٍ لك فى الآخرة، ولا تُضيِّع آخرتك من أجل دنياك أو دنيا غيرك، فكيف للإنسان أن يُضيِّع آخرته من أجل دنياه ؟، عندما يعلم أن مصدر ماله قد اعتراه شُبهة من شُبه الحرام فتغاضى عنها، أو ينغمس فى الملذات وينسى نفسه فيها فينزلق وراء المحرمات، او يتناسى أن يُطهِّر ماله بالصدقات، فلا يمد يده لذوى القربى أو أصحاب الحاجات، وكلما سعى لجمع المال حلف كذبًا ليُزيِّن بضاعته، وحاول أن يخفى عيوبها، فأظهر منها ما يحسن إليها، أو من سعى لتزداد تجارته بالربا أو بالسرقة، كالمُطفف بالموازين, أو آكل أموال الناس بالباطل كآكل مال اليتيم والميراث، أو مَن اؤتمن على شئ فخان الأمانة، أو مَن مشى بالنميمة بين الناس فأوقع بينهما العداوة والبغضاء، أو من سعى لإيذاء غيره وتتبع عورات الناس.


ورغم ذلك، فهو لا يُقصِّر فى فرض ولا صيام ولا نُسك، بل يحاول جاهدًا أن تكون صلاته على وقتها، إلا أنه ترك دنياه وهو مُنهك ومُتعب بها، لإثرائه لها على آخرته، وكيف لآخر يبيع آخرته بدنيا غيره ؟
كمن أعان ظالمًا على ظلمه، وهو يعلم جيدًا أن المظلوم لا حيلة له ولا قوة، أو من يَحل حرامًا ليستمتع به غيره، أو مَن يعطى إنسانًا لا يستحق فيستمتع بما أعطى وهوى هو بعطائه، أو من كان يدير عملًا فَخَصَّ البعض بدرجات أو مال، بينما يعلم جيدًا أن هناك من يستحق الترقية أو المال فمنعه من أخذ حقه، أو مَن أعان ابنه او ابنته على أكل أموال أخواتهم، فَخَصَّ أحدهما دونهم، فهو بأفعاله يُصلح دنيا غيره بفساد آخرته، أو مَن كتب كل أمواله لبناته ليمنع الورثة الشرعيين من أخذ حقوقهم.


فنرى أن كلًا منهما أضاع سعيه فى الدنيا بأفعاله، ونسى أو تَناسى أن الدنيا مهما طالت، فهى استعدادٌ للرحيل، فاغتنم منها ما ينفعك للآخرة وضَعْ نُصب عينيك رحيلك، فلا تكون عنه لاهيًا أو ناسيًا، كما قال الشاعر:
ألا أيها الناسى ليوم رحيله * أراك عن الموت المفرق لاهيًا
ولا ترعوى بالظاعنين إلى البلى * وقد تركوا الدنيا جميعًا كما هي
ولم يخرجوا إلا بقطن وخرقة * وما عَمَّروا من منزلٍ ظَلَّ خاويًا
وهم فى بطون الأرض صرعى جفاهم * صديق وخِلّ كان قبل موافيًا
وأنت غدًا أو بعده فى جوارهم * وحيدًا فريدًا فى المقابر ثاويًا
جفاك الذى قد كنت ترجو وداده * ولم تر إنسانًا بعهدك وافيًا
فكن مُستعدًا للحمام فإنه * قريب ودع عنك المنى والأمانيا
عافانا الله وإياكم ورزقنا حسن الختام.