« السمسمية » تمجيد لأبطال المقاومة

مسرحية السمسمية
مسرحية السمسمية

محمد‭ ‬بركات

يظل المسرح المصرى صاحب الريادة والتفرد، ‏والذي امتد تأثيره لأجيال متعاقبة، ليكون أبو الفنون هو المًعبر عن ‏روح وفكر وهوية الثقافة المصرية والشعب المصري، تواصل مسرحية”السمسمية” ليالي عرضها على المسرح العائم الصغير بالمنيل، ضمن مشروع مبادرة “ولد هنا”، لتسليط الضوء على ‏القامات والرموز المصرية بمختلف المجالات، والذين ولدوا في ‏أٌقاليم مصر المختلفة، لخلق قدوة ومثل عليا للأجيال الجديدة في هذه المناطق ‏العزيزة من أرض الوطن، استحضر العرض شخصيات بارزة ومهمة كانت لها دور كبير في المقاومة الشعبية منذ الاحتلال الإنجليزي وحتى نصر أكتوبر ٧٣. 

العرض يتناول الحديث عن أبطال المقاومة في مدن القناة “الإسماعيلية، بورسعيد، السويس، سيناء والعريش”، والذين لم يذكروا بشكل كبير في وسائل الإعلام أمثال الكابتن غزالى، زينب الكفراوي، على زنجر، ومجموعة كبيرة من أبطال المقاومة في مدن القناة، ويتم العرض في إطار مسرحي شيق من رقص وغناء، وتم الاستعانة بكل الأدوات الشعبية الخاصة بمدن القناة وأهم رموزها الأساسية “آلة السمسمية”، والعرض كتابة وإخراج سعيد سليمان، رؤية موسيقى هيثم درويش، ملابس سماح نبيل، مخرجان منفذان عليا عبدالخالق، وفاطمة عصمت. 

في البداية يقول سعيد سليمان مخرج ومعد العرض : مسرحية “السمسية” هى العرض الثاني ضمن مبادرة “وُلد هُنا”، التي تم إطلاقها مطلع يناير 2023، خلال خطة البيت الفني للمسرح، والعرض من إنتاج فرقة المواجهة والتجوال، نحاول خلال العرض تسليط الضوء على الشخصيات المهمة التي أثرت في محيطنا الاجتماعي ومكان ولادتها، ليتناسب مع فكرة مبادرة “وُلد هُنا”، في إطار فني من خلال “السمسمية” التي تروي وتحكي، ما نسلط عليه الضوء من أهمية المقاومة الشعبية في مدن القناة وسيناء، أثناء الحروب التي خاضتها مصر، منها العدوان الثلاثي ونكسة 56 وانتصارات 73 لم يُذكروا بشكل كافٍ في وسائل الإعلام، ومن خلال العرض نتعرف على شخصيات مهمة من المقاومة الشعبية مثل زينب الكفراوي وعبدالمنعم قناوي وفتحية الأخرس وعلية الشطوي وكابتن غزالي وآمنة دهشان وعلي زنجير، لأن من حق الأجيال الجديدة أن يتعرفوا على النماذج الجيدة والتي قدمت بطولات حقيقية، فالهدف تسليط الضوء على الشخصيات وهم من ضحوا بأرواحهم وأنفسهم في سبيل الوطن، لذا يهدف العرض إلى تعريف الأجيال الجديدة بهذه النماذج الإيجابية، فدائما ما كنت أقدم عروض تُحاكي التراث الشعبي، ولكن هذا العرض ينتمى لتراث شعبي مختلف. 

ويضيف سليمان: تعتبر مدن القناة هي الأكثر احتياجًا لتسليط الضوء على أبطالها وشخصياتها المؤثرة من خلال هذه المبادرة، لأن هناك من تناول الصعيد بشكل عام، في أعمال أدبية ودرامية مختلفة، في حين أن مدن القناة لم تنل القدر نفسه من هذا الاهتمام، وهو ما ينبغي أن يلتفت إليه الفنانون، لأن لهذه المنطقة دورًا كبيرًا وعظيمًا غير مسبوق في المقاومة الشعبية، بداية من العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956، مرورًا بالنكسة وحتى انتصار أكتوبر. 

وعن اختيار اسم “السمسمية” عنوانًا للعرض يقول سليمان: “السمسمية” هي آلة موسيقية تراثية تُعد رمزًا لحركة المقاومة الشعبية في مصر وهي البطل الرئيسي للمقاومة في هذه المدن، وهي كذلك البطل الرئيسي للمسرحية، فقد كانت تلهب المشاعر عبر نغماتها الحماسية، فإذا كانت آلة الناي اشتهرت بأنها آلة حزينة، فإن السمسمية هي آلة تثور وتحارب، أيضًا لأن طبيعة هذا العمل الغنائي يقوم على العزف والغناء الحي على آلة السمسمية، التي اعتمدها أصحاب المقاومة وسيلة لتحفيز الناس على القتال، فكانوا يعزفون عليها في الشوارع والبيوت والمقاهي، فلا يعتمد العرض في الأساس على قصة ولا يتضمن نصًا، لكنه يقوم على الحكي الشعبي المقترن بآلة السمسمية وأغانيها ورقصاتها، مع أداء الممثل راويًا أو حكواتيًا، من دون قالب مسرحي مألوف، أو حبكة تقليدية. 

وعن قصة العمل يقول سليمان: هى ليست قصة واحدة، لكن المسرحية أقرب إلى مجموعة من القصص أو اللوحات داخل نسيج العرض، فيجد المشاهد نفسه يخرج من لوحة إلى أخرى، ويربط الغناء والموسيقى بينها، فكل لوحة تحكي قصة شخصية وما حولها من نجاحات أو انكسارات أو بطولات واستشهاد لتكون قدوة، ليس في حالة الحرب فقط، إنما للتمتع بالروح القتالية للوصول إلى الأحلام والأهداف في الحياة عمومًا، من أبرز الشخصيات التي تقدمها المسرحية كابتن الغزالي مؤسس فرقة “أولاد الأرض”، التي رفعت روح الصمود من خلال موسيقى السمسمية، ومن أشهر أغانيها “غني يا سمسمية”، و”بكرة”، و”ليه يا حمام”، و”هتقول السويس”، وهو صاحب كلمات أغنية تمثل أيقونة للمقاومة، ولم ينسى العرض أن يحاكي البطولات النسائية، فمن خلال السمسمية نقدم قصة المناضلة البورسعيدية علية الشطوي التي قدمت دورًا رائدًا في رعاية الجرحى والمصابين في فترات المقاومة، وكانت تنقل المصابين والعائدين من العمق في سيناء، بـ”لانش” قادته بنفسها في حرب 1973، وعن تجوال العرض يقول سليمان: سوف ينطلق العرض مطلع الأسبوع القادم ويتجول لمدة ١٠ أيام في الوادي الجديد والعريش، ثم يعود بعد ذلك إلى المسرح العائم الصغير بالمنيل بالقاهرة ليستكمل ليالي عرضه. 

بينما يقول آسر علي أحد أبطال العرض: أجسد في المسرحية أكثر من شخصية من خلال أدوار رئيسية وثانوية، كما أغني ما يقرب من ١٠ أغاني وطنية، أول هذه الشخصيات دور “كابتن غزالي” أحد المناضلين الوطنيين بالسويس شاعر ومؤلف وملحن ومحارب فكان أحد المناضلين من وقت الاحتلال الانجليزي لمصر عام ١٩٥٦ وشارك في حروب كثيرة وكان له دور كبير بأغانيه الحماسية التي كان تؤثر وتلهب مشاعر زملاءه، وأطلق عليه لقب شاعر السمسمية أحد أبرز الفنانين في تاريخ المقاومة الشعبية بالسويس، والذي تولى المهمة خلفًا للشاعر الراحل عبد الله كبرير، وأسس غزالي فرقة “ولاد الأرض” بالسويس، و رغم أن الغزالي كان موظفًا، إلا أنه انضم إلى حركة المقاومة الشعبية بالقناة ضد الاحتلال البريطاني. 

ويضيف آسر: استمر الغزالي في نشاطه الوطني بعد ثورة يوليو 1952، دون أن ينضم إلى جبهة سياسية، قدم أغاني أصبحت جزءًا من تراث السويس ومقاومتها الشعبية، مثل “غني يا سمسمية لرصاص البندقية” و”يا بيوت السويس” و”فات الكتير يا بلدنا”، لعب غزالي وفرقته الغنائية دورا كبيرا في تحفيز المصريين عقب يونيو 1967، إلى جانب عدد من صناع الأغنية الذين نجحوا في توحيد الصفوف وبث روح البطولة حتى تحقق الانتصار الكبير في أكتوبر 1973.

وآردف آسر:  عبد المنعم قناوي هو الشخصية الثانية التي أقدمها في العرض، كان قناوي من أبطال أول عملية ضد الجانب الإسرائيلى، تتم فى وضح النهار شرق القناة فى نوفمبر 1969، إذ كانت مختلف العمليات من زرع ألغام وهجوم على الكمائن تتم ليلا، وقد تمت العملية بنجاح، وانتهت بأسر إسرائيلى ورفع علم مصر، أما عن دوره فى حرب أكتوبر وتحديدًا فى السويس، فقد أرسل قبل الحرب بأيام فى مهمة خلف خطوط العدو، وأمضى 100 يوم على جبل عتاقة، فى مهمة استطلاعية شاقة ومخيفة، كما أنه كان سببا فى إنقاذ قيادة الجيش الثالث من القصف عقب حادث الثغرة. 

بينما تقول إيمان مسامح أحد أبطال العرض: سعيدة جدًا بمشاركتي في العرض لأن فكرته إلقاء الضوء على الأبطال والمناضلين الشعبيين في فترة الخمسينيات، فتوجد أجيال كثيرة لا تعرفهم أو تسمع عنهم وأنا انتمى لهذا الجيل إلى أنا عرض على المشاركة في المسرحية، ومن خلال العرض نلقي الضوء عليهم لكي تعرف هذه الأجيال تضحياتهم  وبطولاتهم، وتضيف إيمان: أجسد في العرض شخصية زينب الكفراوي التي لقبت بشيخة الفدائيين، وهي تعد أيقونة المقاومة الشعبية النسائية ببورسعيد، أثناء العدوان الثلاثى على المدينة الباسلة عام 1956، تمتلك تاريخًا مشرفًا فى سجلات الفدائيين بمنطقة القناة بشكل عام، وبمحافظة بورسعيد بشكل خاص، ووضعت اسمها وسط قائمة المقاومة، ضد العدوان الثلاثى على مصر، عندما سُجّلت فى قوائم الفدائيين كأول سيدة تنضم إلى المقاومة الشعبية فى حرب العدوان الثلاثى وعمرها 15 عاما، وبدأ نضالها بتوزيع المنشورات لحث المواطنين على مقاومة الاحتلال، شاركت فى عدد من البطولات فى مواجهة العدوان الثلاثى والاحتلال البريطانى الفرنسى للمدينة الباسلة،  قامت بأخطر عملية لنقل أسلحة وقنابل من مخبأ سرى إلى القوات المصرية، كما ساعدت هى والدها فى إخفاء مستندات هامة تخص قسم الشرطة حتى لا يتمكن الإنجليز من الوصول إليها، أيضًا نجحت فى إيصال الأسلحة للفدائيين ليواصلوا مقاومتهم، و وزعت المنشورات وشاركت فى حملة لجمع التبرعات من المواطنين، لتسليح الجيش المصرى.

اقرأ  أيضا : خالد جلال يشهد العرض المسرحي «السمسمية» بالعائم| صور


 

;