مأساة طفل .. فقد أشقائه الـ 6 وجده وابن خالته غرقا وبعدها والده

محمد
محمد

قنا‭ ‬ــ‭ ‬أبو‭ ‬المعارف‭ ‬الحفناوي‭ ‬

في أقل من عامين، على فراق أبنائه الستة، الذين ماتوا قي حادث انقلاب تروسيكل كان الأب يقوده، أثناء عودتهم من «فسحة العيد» من الأقصر إلى مسقط رأسهم بمركز نقادة غربي قنا، نجا الاب من الحادث وابنه محمد، ومات أبناؤه الستة ونجل خالتهم، وتحديدًا في 13 يوليه من عام 2022.

الحادث الذي أسفر عن مصرع 6 أشقاء هم: زكريا الحسن محمد، وفاطمة الحسن محمد، وسارة الحسن محمد، وهاجر الحسن محمد، ويوسف الحسن محمد، وابراهيم الحسن محمد ، والسابع ابن خالتهم يوسف الراعى، وأصيب الأب والأم والجدة، خيم بحزنه على الجميع، الفاجعة كانت كبيرة للغاية، فالأب الذي كان يحلم بأن يرى أبناءه في أحسن حال، يمرض لمرضهم، ويحزن لتقصيره يومًا ما في حقهم، يرى أبناءه الستة يموتون أمامه غرقًا في نفس واحد، لا يستطيع إنقاذهم، ليموتوا جميعا ونجل خالتهم، ما عدا الأب وابنه محمد.

عاد الأب إلى المنزل، أصيب بصدمة، ولكن كان يصبر نفسه بقوة إيمانه بالله، بأن ما حدث قضاء الله وقدره، ولا رد لقضائه ولكن بالرغم من قوة إيمانه، إلا أن الفاجعة التي ألمت بالأب وزوجته وابنهما محمد، وباقي أفراد الأسرة كانت صعبة للغاية، فالحزن خيم على الجميع، والجدران بكت على الفراق، فضلا عن ولولة النساء وصراخ الكبار والأطفال على ما حدث.

وبعد أيام من الحادث، الذي بكت عليه محافظة قنا، وكل من سمع به، توفى عم والدة الضحايا الستة،  حزنا على فراقهم، ليكون حالة وفاة جديدة، تصل بحالات الوفاة إلى 8 أشخاص من أسرة، اكتوت بنار الموت.

مرت أيام وأيام كانت ثقالا على الجميع، لم يطرق الفرح والسعادة بابهم، ولم يغب الحزن من قلوبهم،  وعيونهم لم تجف بعد من الدموع،  وبعد أقل من عامين، ليلحق الاب بأبنائه الستة في حادث مروري، تاركا زوجته وطفل وحيد يدعى محمد.

فوق طاقة البشر

محمد حسن كامل، مأساة طفل تحمل ما لا يتحمله بشر خلال أقل من عامين، فقد 6 من أشقائه وابن خالته في انقلاب تروسيكل غرب الاقصر نجا منه هو ووالده، وبعدها بثلاثة أيام فقد عم والدته الذي توفى حزناً على وفاة أحفاده، وبعدها يفقد والده في حادث أليم .

محمد حسن كامل، 14 عاما،  ظهرت عليه ملامح الحزن والشقاء مبكرًا، وأصبح يتيم الأب، بعد أن فقد أشقاءه جميعا، ليعول والدته مبكرا، في مشاهد لم تمر أي ثانية منها، إلا وكان الحزن عنوانًا لها، فملامح طفولته تحولت إلى شقاء وفي غمضة عين يراه الناس أصبح أكبر من عمره كثيرا.

لقد كان الاب الحسن محمد كامل، الموظف في مجلس مدينة نقادة بقنا، يعامل أبناءه وكأنهم اصدقاءه،يكدح ليل نهار من أجل رسم السعادة على وجوههم، فهو الأب والصاحب والأخ والصديق لهم، يحلم في كل ثانية أن يكبروا أمامه، يفكر في مستقبلهم الذي كان يريده الأفضل لهم، يسخر حياته لفرحتهم، يتعب لمجرد أن يشعر أن أحد منهم يتألم، لم يعلم أن القدر لن يمهله كثيرًا، وأن فرحة «اللمة» ستكون نهايتها قاسية للغاية، عندما فقد 6 من أبنائه في غرق تروسيكل بالأقصر، أثناء عودتهم من التنزه احتفالا بعيد الأضحى المبارك

ما أصعب أن ترى حياتك كلها تضيع أمامك، روحك المتعلقة في أبنائك تصعق وتصرخ من القهر والحزن الشديد، ما أصعب أن ترى من كنت تعيش من أجلهم، يموتون في نفس واحد، أمامك،  تكون عاجزًاعن إنقاذهم، تفعل شتى الطرق أن يخرجوا سالمين ولكن دون جدوى، الدقائق التي مرت على الأب في محاولته انقاذ أطفاله من الموت كانت قاسية للغاية، لم يستطع وصفها، ولم ولن تفارقه طيلة حياته.

الأب المكلوم على أمره، والناجي من الفاجعة، لم يصدق ما حدث، يصرخ من داخله، أصبح ضعيفا، يحاول التماسك ولكنه يخسر سريعًا، أمام ما حدث له، فالأمر لم يكن له صدمة يستطيع أن يتغلب عليها، فمشاهد الغرق والموت والحزن ووجع القلوب وولولة النساء ما زالت وستزال عالقة في قلوب الجميع.

وقت الحادث روى الأب ما حدث قائلا: «كنت رايح افسح عيالي ماتوا قدام عيني مفيش غير ابني محمد اللي طلع سليم،  قدر الله وماشاء فعل، اللهم الهمنا الصبر، احتسبهم عند الله، اللهم أجرنا في مصيبتي وابدلني الخير  اللهم اجعلنا من الصابرين»، بهذه الكلمات بدأ الأب يروي تفاصيل الفاجعة التي حدثت له بعد أن فقد أبناءه الستة ونجل خالتهم في حادث غرق تروسيكل بالأقصر.

وبكلمات حاول أن يتماسك فيها الأب، كانت في البداية غير مرتبة وغير مفهومة، من الصدمة التي مر بها، قال الأب: «انقلب بنا التروسيكل، وأصبحنا في عمق الترعة، أثناء عودتنا من التنزه احتفالا بعيد الأضحى،  حاولت أن اتماسك، عندما رأيت ابني محمد، أمامي في الترعة، وقام بشدي بقطعة خشبية، وقمت بشده أيضا بعد ذلك، وتم انقاذه.

ويتابع الأب وعيناه تغرورقان من الدموع؛ كان الظلام دامسًا يسيطر على المكان الذي سقط التروسيكل بنا في الترعة، حاولت أن أبحث عن أبنائي وزوجتي واختها وابنها، ولكن عجزت عن ذلك بعدما شعرت انني اصبت بالشلل، أو من الصدمة فالأمر كان صعبا للغاية، حتى صعدت على جسر الترعة، ووجدت شبابا يمرون، طلبت منهم إنقاذ أسرتي، هرولوا مسرعين، ولم يترددوا لحظة في أن ينزلوا إلى الترعة، ويغطسون بحثا عن أسرتي في مياه الترعة، كنت أعلم أن أمر الله نفذ، ولكن دعوت الله أن يخيب ظنوني.

وقال الاب وقتها ايضا: حاول الشباب إنقاذ ما يمكن انقاذه، ولكن أمر الله نفذ، وأول من انتشلوا جثتها ابنتي فاطمة، حاولنا إنقاذها وعمل اسعافات أولية لها ولكن دون جدوى، ثم يوسف، نجل خالتها، حتى تم انتشال باقي الجثث، مشاهد كانت قاسية وموجعة قطعت قلوب من لا يعرفونهم، فما بالكم بي، تمنيت الموت واللحاق بهم، حاولت التماسك كثيرا، ولكن فشلت وسأفشل فحياتي كلها كانت متعلقة بهم.

وحاول الأب أن يروي تفاصيل ما حدث  وقتها ويظهر متماسكًا، أثناء تقبله واجب العزاء، حاول يسترجع خلال حديثه مع أخبار الحوادث قائلا: كنت أقود التروسيكل بعدما وعدت أبنائي السبعة وزوجتي، وشقيقتها وابنها وحماتها، بالتنزه في الأقصر، احتفالا بالعيد، كعادتنا كل عيد، ذهبنا إلى الحدائق والمتنزهات، كانت الفرحة عارمة، وكأنها الفسحة الأخيرة للضحايا.

وأضاف: بعد أن حل الظلام قررنا العودة إلى منزلنا، وبالقرب من نجع السناينة فجأة، انزلقت إحدى عجلات التروسيكل تجاه الترعة، حاولت في البداية أن اتفادى ذلك، ولكن لم أستطع، حتى سقطنا في الترعة، ما عدا محمد ابني الأكبر، الذي وجدته يشدني بقطعة خشبية، وأطفالي وزوجتي وشقيقتها وابنها وحماتها يصرخون أمامي، وخرجت زوحتي وشقيقتها وحماتها، والباقين ابتلعتهم مياه الترعة، في مشهد لن يستطيع أحد أن يتحمله، قائلا :» ربنا ما يوريه لحد».

هرول الأهل والأقارب بعد سماعهم ما حدث إلى الأقصر، وانتظروا خروج جثامين الضحايا من المستشفى بعد إنهاء الإجراءات القانونية اللازمة، وحملوا الجثث في 7 نعوش، ودفنوها في مقابر العائلة، في مشاهد خيمت بأحزانها على الجميع .

وعاد الأب إلى المنزل، يبحث عن ذكريات أبنائه هنا وهناك، يحدثهم وكأنهم معه، فلقد أصيب هو وزوجته بصدمة عصبية، نتيجة ما حدث، فلم يتمالك أعصابه حتى انهار في البكاء، ودخل في نوبة حزن شديدة، وسط مواساة من المحبين .

وبعد أيام وشهور عاشها الابن حزينا مكسورًا على ما حدث، توفى الاب في حادث مروري، ليلحق بأبنائه الستة، في مشهد عاد بذكرياته إلى ماحدث قبل عامين، وشيع المئات جثمان الأب منذ ايام قليلة مضت، بعد أن شيعوا جثامين أبنائه الستة في 6 نعوش من قبل.

اقرأ  أيضا : غرق طالب أثناء استحمامه بمياه نهر النيل بالقناطر الخيرية 


 

;