كلمة (رئيس مجلس اللسان العربي في موريتانيا) بمجمع اللغة العربية في دورته التسعين

 أ.د.الخليل النحوي (رئيس مجلس اللسان العربي في موريتانيا)
أ.د.الخليل النحوي (رئيس مجلس اللسان العربي في موريتانيا)

ألقى أ.د.الخليل النحوي (رئيس مجلس اللسان العربي في موريتانيا) كلمة،  باسم الأعضاء غير المصريين في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر  مجمع اللغة العربية في دورته التسعين الإثنين 22 من أبريل 2024م


جاء فيها:
الحمد للـه والصلاة والسلام على سيدنا رسول اللـه أشهد أنه أدى الأمانة وبلغ الرسالة وجاهد في اللـه حق جهاده حتى أتاه اليقين صلى اللـه عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه.
حضرة الرئيس أ.د. عبد الوهاب عبد الحافظ
حضرة الأمين العام الأستاذ الدكتور عبد الحميد مدكور
حضرات السادة رؤساء المجامع وأقطاب مجمع الخالدين
الإخوة والأخوات 
 السلام عليكم ورحمة اللـه وبركاته
أستهل القول في هذا المقام بالدعاء بالرحمة للراحلين من مجمع الخالدين، وقد كان من أحدثهم رحيلا الشيخ الدكتور محمد المختار بن اباه، من موريتانيا، رحمه الله رحمة واسعة، ورحم سائر من قضوا نحبهم من المجمعيين، ومن موتانا أجمعين، وتقبل في الشهداء المستقدمين من الرجال والنساء والولدان الذين قضوا في معركة العزة والكرامة في غزة والديار الفلسطينية وما حولها. واللـه نسأل أن يحفظ المستأخرين، ويفرج كرب المكروبين ويفك أسر العانين، ويؤوي الضاحين، ويسقي الظماء ويطعم الجائعين ويشفى المرضى والمصابين، ويكشف الغمة عن الأمة. 
والتحية، في هذا المقام، إلى مجمع الخالدين تقديرا لعطائه غير الممنون في مسيرة يوقد اليوم فيها شمعته التسعين، وكأن جريرا يخاطبه مهنئا: 
فتى عاش يبنى المجد ‌تسعين حجَّة     وكان إلى الخيرات والمجد يرتقى
نعم، إنها رحلة مجد تصل الحاضر بالغابر واللاحق بالسابق في مجالات العمل المعجمي والإفتاء اللغوي، والاصطلاح، وتحقيق التراث، وتذليل قطوف العربية لطالبيها، ورتق ما انفتق بينها وبين علوم العصر، والسعي في خدمتها بعامة، تمكينا وإشعاعا، وتجديدا وتيسيرا، وتأصيلا وتأثيلا. 

اقرأ أيضًا| ننشر كلمة رئيس مجمع اللغة العربية في افتتاح المؤتمر الدولي التسعين


لقد أعطى المجمع في كل ذلك وما أكدى. وإن من عطائه وعطاء المجامع العربية ذلك المولود الجديد الذي استهلت مواطر إقباله، ولاحت تباشير اكتماله، وإن كان سيظل مشروعا يتخلق أطوارا، خلقا بعد خلق، أعني  المعجم التاريخي للغة العربية، الذي هو حصاد عمل قومي مشترك صاغته يد صناع من أهل الذكر وأولي الخبرة مشرقا ومغربا، وحدته همة سامية وأظلته دوحة حانية من رعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حفظه الله. 
وإذا كان الراحل الخالد الأستاذ الدكتور إبراهيم مدكور، الذي شرفت بلقائه أيام رئاسته المجمع، قد قال ذات يوم إن المعجم الوسيط هو معجم القرن العشرين العربي، فإن المعجم التاريخي حقيق بأن يوصف بأنه معجم العربية الرائد في القرن الحادي والعشرين؛ فهنيئا لنا ولكم ولاتحاد المجامع العربية وللأمة به، وشكرا لراعيه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، أجزل الله له المثوبة في الدنيا والأخري.  
حضرة الرئيس؛ حضرات الأساتذة الأجلاء
 اسمحوا لي أن أزف إليكم تحيات إخوتكم سدنة اللسان العربي في موريتانيا التي تعرفت قديما إلى أرض الكنانة وغيرها تحت اسم "بلاد شنقيط"، وشرفت بالمشاركة في وضع أول بذرة مجتمعية لمجمعنا العتيد هذا... 
كانوا في البدء ثلاثة من فرسان الضاد: الشيخ محمد عبده، ونقيب الأشرف محمد توفيق اليكري، والشيخ محمد محمود الشنقيطي، التحق بهم آخرون من أرض الكنانة ومن خارجها، فألقوها، في مثل هذا الشهر من العام 1309ه/ 1892غ، بذرة طيبة في تربة طيبة، وتعهدها آخرون بالأمل والعمل أربعة عقود، ثم نبتت نباتا حسنا، حين ولد مجمع القاهرة ولادة رسمية، واستوى شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها. 
وفي مثل هذا الشهر أيضا من العام 1323ه/ 1904غ ودعت مصر قرينين يرمزان للعناق بين أرض الكنانة وبلاد شنقيط، هما الشيخ محمد محمود  الشنقيطي والأمير الشاعر رب السيف والقلم محمود سامي البارودي، سار صديقه الشنقيطي في جنازته، وعاد إلى بيته دنفا، وما عتم أن لحق برفيقه. 
وتلكم رحم يتعين علينا أن نبلها ببلالها بالتعاون في إحياء التراث اللغوي المشترك، وفي حسن استثمار ذلك الكنز المدفون الذي تركه الشيخ الشنقيطي وأضرابه في دار الكتب المصرية، وفيها جناح خاص بمكتبته.

حضرة الرئيس؛ حضرات القادة الرادة سدنة اللسان العربي 
لقد كان الحس التجاري وحده كفيلا بأن يجعل رادة ثورة المعلومات يخدمون العربية وهم يستخدمونها للوصول إلى الأسواق، فكانت مبادرات الحوسبة والرقمنة والتحليل الآلي القادمة من فضاءات أخرى، مثل غوغل وآبل ومكروسوفت و OpenAI وغيرها. لقد بدأ هؤلاء وآخرون كثر من خارج المحيط العربي أكثر حرصا على خدمة لغتنا، والحال أننا كنا أحق بها وأهلها، وإن كانت العربية  للناس جميعا. 
إننا اليوم مطالبون ببذل جهد أكبر لتوطين العربية والتمكين لها في عالم الرقميات والطرق السيارة للمعلومات، إذ ما تزال نسبة دقة البرمجيات والتطبيقات الخادمة لهندسة اللغة العربية ضعيفة مقارنة بلغات أخرى. 
ما تزال أمامنا تحديات كبيرة في الانتقال الآلي من الخط إلى الطباعة، ومن الصوت إلى الكتابة ومن الكتابة إلى الصوت، وفي التشكيل والتقطيع العروضي والتصحيح الإملائي والنحوي، وفي دقة الترجمة السياقية، وفي إغناء المحتوى الرقمي العربي، وفي سائر جوانب التحليل الآلي للغة العربية. وإنه لمن الغريب حقا أن نهدر سانحة منحتنا إياها هيئة الشابكة العالمية (ICANN) حين قررت كسر احتكار الحروف الرومانية لأسماء النطاقات المدولة، إذ أصبح بإمكان أي قروي أو بدوي أن ينشئ موقعا باسم نطاق عربي الحروف. لقد كنا في مجلس اللسان العربي بموريتانيا أول هيئة تعَرّب اسم نطاقها في البلد، مع الاحتفاظ باسم النطاق العجمي. لكن من المؤسف أن جل المواقع الافتراضية العربية الحكومية وغير الحكومية بما فيها مواقع مجمعية وثقافية ما تزال مرتهنة حصرا، ولغير ضرورة، لأسماء النطاق الرومانية. 
إننا ندعو إلى تعميم استخدام أسماء النطاق العربية المدولة، مع الاحتفاظ بأسماء عجمية عند الاقتضاء، كما ندعو إلى تنظيم مسابقة سنوية كبرى لاستكشاف وتكريم أفضل الابتكارات في مجال رقمنة اللغة العربية وإثراء المحتوى الرقمي العربي. ومن الملح أيضا أن نعمل على تكثيف الجهود وتنسيقها في مجال توطين المصطلحات العلمية، وأن نطلق برنامجا واسعا لتعريب المناهج الرياضية والعلمية لمختلف الشعب والتخصصات حتى لا نظلم الإنسان العربي بظلم اللسان العربي. 
إن لغتنا تحتل اليوم ضمن نحو 7200 لغة المرتبة الرابعة بمعيار عدد الناطقين بها لغة أما أو ثانية، والمرتبة الثالثة بمعيار عدد الدول التي اتخذتها لغة رسمية، والمرتبة الثانية بمعيار الانتشار الأفقي الجغرافي، ، والمرتبة الأولى بمعيار نمو عدد السابحين بها في محيطات الشابكة. وهي بذلك لغة حاضر مستقبل، ونحن واجدون في ثورة المعلومات والذكاء الاصطناعي سوانح واعدة لتحسين موقع اللغة العربية وجعلها مرة أخرى لغة العلم ولغة العالم، وتقديم البينة والبرهان على صحة دعوى شاعر النيل يوم قال على لسانها: 
وسعت كتاب الله لفظا وغاية     وما ضقت عن آي به وعظات
فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة     وتنسيق أسماء لمخترعات؟
ودعوني أقول بشيء من التصرف، وأنا ألحظ ما تلحظون من استهانة بعض أبناء العربية بلغتهم: 
نعيب لساننا والعيب فينا     وما للساننا عيب سوانا
حضرة الرئيس، حضرات السيدات والسادة 
كان كل من الرئيسين السابقين أ.د. شوقي  ضيف رحمه اللـه والشيخ الدكتور حسن الشافعي حفظه اللـه ضمن عدول مبرزين شهدوا بأن موريتانيا (بلاد شنقيط) "كانت - ولا تزال- تحتفظ  بسليقتها العربية" وأن أهلها أهل "شعر وقصيد". 
لذلك، أستأذنكم، تصديقا لهما ولغيرهما، بأن أختم حديثي هذا بأبيات مهداة إلى مجمع الخالدين: 
ألوكة من لباب الود نهديها     تجلو مشاعر نخفيها فتبديها
تحية لمثابات يفيء بها     ظل البيان وقد وشته أيديها
قامات علم وهامات نتيه بها     وبالضنائن إما تفد نفديها
لمجمع الخالدين اليوم نزجيها     ألوكة هو منشيها ومبديها
عرفان فضل له ما غاض فائضه    ومكرمات له ما انفك يسديها
في مصر حيث يفيض النيل معرفة     وحيث يحدو ركاب الضاد حاديها
واد به انتجعت شنقيط وارتبعت،     فكان مربعها حقا وواديها
تواشجت فيه أمشاج النهى فزهت،     طورا بحاضرها، طورا بباديها
مناهل عذبت وردا فآض بها     ريان من بعد طيب الورد صاديها
ونفحة من أريج الشعر طيبة     يفوح ريحانها عطرا وجاديها
وصولة من صدى المزمار آسرة      إذا شدا بسجايا الضاد شاديها
دمتم ودامت بكم للضاد دولتها     يروح رائحها فيها وغاديها
وتزدهي بمبانيها نواديها     وبالمعاني إذا نادى مناديها
والسلام عليكم ورحمة اللـه وبركاته