السعدني .. نهاية حلم الجنوبي

صلاح السعدني
صلاح السعدني

 كتب: السيد عيسى - أحمد سيد

حمل عمدة الدراما صلاح السعدني على عاتقه مسئولية الدفاع عن الهوية المصرية بصحبة عميد الدراما المؤلف أسامة أنور عكاشة، ليكونا ثنائيا قويا يقف في وجه من يعبث بالهوية المصرية، صال وجال السعدنى بشخوصه المختلفة في أعماله التلفزيوينة ليؤكد أهمية الدفاع عن الهوية، وتلاقى مع عميد الدراما فى نقطة التماس الفكرى حول هذه القضية الحساسة، والتى كانت محل اهتمام كبير من جانبهما.

ولعل من أبرز هذه الأعمال «أرابيسك» الذى يعد الأكثر تعبيرا، وذلك من خلال شخصية «حسن أرابيسك» والدكتور برهان، وقدمها على استحياء من قبل فى مسلسل «ليالى الحلمية» من خلال شخصية «سليمان غانم» وصراعه مع «سليم البدرى»، وتجلت هذه الإشكالية فى شخصية «نصر وهدان القط» بمسلسل «حلم الجنوبى»، ونرصد فى التقرير التالى كيف دافع العمدة عن الهوية المصرية.

صلاح السعدني وجد ضالته فى أسامة أنور عكاشة، والأخير رآه نجمه المفضل، الذى يعبر بشكل أكثر وضوحا عما يشغله، واتفق الثنائى على «img src null» الوطن والدفاع عن هويته، وتجلت هذه الأفكار الباحثة عن الهوية فى مسلسل «أرابيسك» الذى قدم فيه صلاح السعدنى شخصية «حسن» الذى يعتبر مهنته «الأرابيسك» ليست مهنة لمجرد كسب المال، بل يراها فنا حقيقيا يعبر عن أصالته، ويقف به ضد من يحاول طمس هويته، ورصد المسلسل الذى عرض فى منتصف التسعينيات معاناة أرابيسك من الانفتاح الذى قام به الرئيس السادات الذى تسبب بشكل أو بآخر فى خلخلة الهوية المصرية، وهو ما تجسد فى هذا العمل الذى نسج خيوطه أسامة أنور عكاشة بحرفية شديدة، وتماس معه صلاح السعدنى الذى يحاول فيه أن يعبر عن هذه القضية الحساسة بشكل عميق، ليؤكد أن ليست الأزمة عند حد انقراض فن الأرابيسك ولكن هناك إعصار يحاول طمس كل شىء يحمل الهوية المصرية حتى الأخلاق، وصور لنا المسلسل حياة هذا الفنان الذى عانى من الانفتاح فى كل تفاصيل حياته بداية من عمله إلى حياته الشخصية حيث اضطر لطلاق زوجته لرغبتها فى الزواج من أحد التجار الذين يعملون فى الخليج والذين ينتمون إلى الانفتاح. 

وهناك عدة خطوط درامية فى مسلسل «أرابيسك» تعبر بشكل عميق عن الهوية المصرية، وتحديدا من خلال شخصية دكتورة ممتاز زوجة الدكتور برهان الذى يختبئ من تهديدات إسرائيلية له فى خان دوادار الذى يقطن به حسن أرابيسك، و قررت الزوجة المتخصصة فى اللغات أن تصنع قاموسا للمفردات المعاصرة للحارة الشعبية، وواجهت وفائى المثقف الذى يحاول وقف رياح طمس الهوية المصرية وذلك من خلال مناقشات جمعتهما ليؤكد أن الطريقة التى تعمل بها الدكتورة ممتاز غير عملية وبها عوار. 

ليالى الحلمية
بينما تعد ملحمة «ليالى الحلمية» التى جمعت أيضا بين العملاقين صلاح السعدنى وأسامة أنور عكاشة أحد أهم الأعمال التى تعبر بشكل أو بآخر عن الهوية المصرية، والتى قدمت فى أواخر الثمانينات، واستمرت على مدار خمسة أجزاء مختلفة، وحاول فيها الدفاع عنها، ربما لم يكن بنفس عمق «أرابيسك»، ولكنها تجلت فى الصراع الطبقى بين العمدة سليمان غانم والرأسمالى سليم البدرى، بين الأصالة والحداثة، وكان الصراع بين الطرفين ليس ماديا واجتماعيا فقط بل كان صراعا فكريا أيضا، حيث يحاول سليمان غانم أن يغزو هذا العالم ويحافظ فى نفس الوقت على هويته، وحاول سليم البدرى أن يمحو هذه الهوية بأفكاره الاقتصادية البراقة، ولكن سليمان غانم وقف بقوة ضد هذا الصراع ليثبت أحقيته فى الوجود والاستمرارية. 

حلم الجنوبى
رائعة درامية أخرى قدمها عمدة الدراما تدافع أيضا عن الهوية المصرية، وهو مسلسل «حلم الجنوبى» الذى قدم فيه السعدنى صورة مختلفة لمحاولة طمس الهوية المصرية، ولكن هذه المرة مع المؤلف محمد صفاء عامر، الذى قدمه فى أواخر التسعينيات، وحاول صلاح فى هذا العمل الدخول فى منطقة درامية مختلفة يعبر من خلالها عن أفكاره وهمومه بالهوية، وذلك من خلال «النبش» فى التاريخ والآثار الفرعونية، وشخصية مدرس التاريخ «نصر وهدان القط» الذى يحاول الحفاظ على هوية مصر وآثارها، وهى متمثلة فى مقبرة «الإسكندر الأكبر»، وذلك من تجار الآثار والجهات الأجنبية التى ترغب فى سلب الهوية المصرية، وساعده فى الحفاظ على الهوية المصرية دكتور لاشين «أبو بكر عزت»، الذى كان مهتما بالآثار والحفاظ عليها، وكان معه مجموعة من المثقفين الذين يعلون راية الانتماء والوطن فوق المصلحة. 

رجل من زمن العولمة
وعزف صلاح السعدنى بأوتار موهبته على نغمات حب الوطن والانتماء والهوية فى مسلسل «رجل من زمن العولمة»، واستطاع أن يعبر عن صراع الأجيال بكل بساطة ويسر، وربما هذا العمل الذى قام بتأليفه وأخرجه عصام الشماع لم يأخذ حقه من النجاح الجماهيرى، ولكنه أحد الأعمال المهمة التى عبر فيها صلاح السعدنى عن الهوية والانتماء بشكل معاصر وعميق أيضا، والعمل الذى عرض فى عام 2003 لخص الأزمة فى لغة الحوار بين الأجيال، والتأكيد على وجود فجوة كبيرة بينهم، والتى تتسبب فى فقد الهوية المصرية، وهو ما يؤكد أن نسبة كبيرة من هذه الأجيال لا تعرف الانتماء وقيمة الوطن وهويته وسط سيطرة التكنولوجيا التى تسببت بشكل كبير فى تغيير الثقافات والأفكار الأصيلة التى يحاول الأجيال السابقة أن يحافظوا عليها.

الأصدقاء
رغم أن مسلسل «الأصدقاء» يناقش قضية بعيدة عن الهوية المصرية وحب الوطن، فإن شخصية دكتور «عزيز» عالم الذرة الذى يدفع الثمن حياته، والتي جسدها صلاح السعدني تعبر بشكل أو بآخر عن الهوية المصرية من مفهوم ومنظور مختلف، حيث هناك كثير من العلماء الذين يتعرضون إلى حرب من جهات أجنبية من أجل الحصول على أفكارهم بهدف طمس هوية هذا البلد والسيطرة عليه بقوتهم، ويجد عزيز ضالته فى أصدقائه حتى يحتمي فيهم ويأتمنهم على سره قبل وداعهم، يقينا منه وثقة فيه أنهم يؤدون رسالته، ويحافظون على مشروعه القومي.