حوار مع طبيب نفسى عائد من الموت

د. إبراهيم مجدى: مهنتنا مليئة بالمخاطر ولا يوجد قانون لحمايتنا

الطبيب النفسي ابراهيم مجدى
الطبيب النفسي ابراهيم مجدى

مصطفى‭ ‬منير

  لكل مهنة مخاطر قد يتعرض صاحبها لها وقد يتحول فى النهاية لضحية أو جثة هامدة لا قدر الله، وهذا ما حدث مع الطبيب النفسي ابراهيم مجدى؛ كان يمارس عمله بإخلاص، وعندما طالبته إحدى الاسر بإنقاذ ابنها من الحالة الغريبة التى اصابته لم يتردد فى علاجه ولكنه فى لحظة كاد أن يتحول لضحية له؛ فوجئ بتعدي المريض عليه بالضرب وتسبب له بإصابات بالغة كادت أن تفقده حياته، تفاصيل مثيرة حول الواقعة الغريبة التى تعرض لها الطبيب النفسي ومناقشة حول المخاطر التى يتعرض لها الطبيب نسردها لكم من خلال السطور التالية.

هل تحكي لنا عن تفاصيل الواقعة التى تعرضت لها؟

البداية عندما فوجئت باتصال هاتفى من أسرة مريض يتابع معى منذ فترة، يطلبون منى التواجد فى المنزل بسبب تصرفات ابنهم المريض، مؤكدين أنه منذ فترة اصبح مهملا فى شكله العام، يرفض الاستحمام وتفاصيل أخرى، وقتها حددت موعدًا معهم، وفى بعض الاحوال نقبل الكشف المنزلي وخصوصًا إن كنت تعرف المريض جيدا وتعرف اسرته، واحياناً هناك مرض نفسي يجعل المريض غير راغب للذهاب للطبيب وهذا ما حدث.

تواجدت داخل منزل الاسرة ولكنى لم أجد المريض موجودا، تحدثت مع أسرته وسألتهم هل يعلم اننى متواجد، أخبرونى أنهم لم يستطيعوا الحديث معه منذ فترة بسبب تصرفاته، وفى خلال دقائق معدودة تواجد المريض، لكنى فوجئت به فى حالة عصبية، وقتها كنت أفكر فى الانصراف ثم التحدث مع اسرته هاتفيًا وتحديد موعد داخل العيادة، لكني لاحظت الخوف الشديد فى عيون أسرته، وبعد تكرار الطلب من أسرة المريض قررت الحديث معه لتهدئته قليلاً وبالفعل اقتربت منه وتحدثت معه خصوصاً اننى الطبيب الخاص به، ويعرفنى جيدًا، هدأ قليلاً وطلب المريض منى الدخول إلى غرفته للحديث سويًا، بالفعل ذهبنا للغرفة لاستكمال الجلسة العلاجية.

بمجرد دخولى الغرفة؛ فوجئت به يتعدى علي بالضرب بقطعة حديدية على رأسي من الخلف، تمالكت نفسي وخلال لحظات تمكنت من السيطرة على المريض، لكنى فوجئت بالدماء تسيل من رأسي، ولم تمر سوى لحظات وتواجد والد المريض ووالدته لكننا فوجئنا بتعدي المريض على الأم بالضرب، وتم السيطرة عليه مرة أخرى، وقتها قرر المريض الهروب من المنزل.

فذهبت لمستشفى خاص وانا أشعر بصداع شديد، حينها قرر الاطباء عمل الفحوصات سريعًا وتبين إصابتي بشبه ارتجاج فى المخ و10 غرز فى الرأس، تم عمل اللازم طبيًا وكتبوا لي راحة 10 أيام مع العلاج، وظللت فى متابعة على مدار 48 ساعة متواصلة عشتها فى رعب حقيقي.

لماذا تعتبر بعض الأسر أن المرض النفسى لديها بمثابة وصمة عار تخبئه عن العيون وهو قاتل محتمل لديها؟

للأسف هذا يحدث؛ فتلك الأسرة مثلا تخاف من وصمة العار التى قد تلاحقها إن تم إيداعه داخل مستشفى نفسي لعلاجه ونظرة الناس اليها، كما انها تخاف من المصاريف المالية الضخمة التى قد تدفعها فى مستشفى خاص، رغم أن هذا المريض قد يتحول لقاتل محتمل بالفعل فهو مازال تحت سن الـ 20 وبهذا العنف، تعدى على والدته أكثر من مرة، وفى تلك الواقعة تعدى على طبيبه الخاص، وقد تتحول أي واقعة من تلك الوقائع التى يرتكبها المريض لحظة العنف وخصوصا انه يرفض تناول العلاج لجريمة قتل بشعة، ويكون هنا المتهم الأسرة وخاصة أن له تاريخا مرضيا.

لذلك اطالب بتقنين الوضع مع التعامل مع المرضى النفسيين وأن تواجد مريض بتلك الصورة وله تاريخ مرضى وقد يتسبب فى كارثة ان ظل هكذا دون علاج؛ أن يتم السيطرة عليه من قبل رجال الأمن وإيداعه داخل مستشفى للعلاج النفسي لحماية المريض ومن حوله، فما الضامن بأن هذا المريض وهنا لا اقصد هذا المريض بعينه لكنه فى الحالات المشابهة من الجائز أن يرتكب جريمة ويكون ضحيتها احد افراد اسرته أو الأسرة بأكملها أو احد الجيران.

فما حدث لم يكن واقعة فردية فهناك العديد من الزملاء الاطباء تعرضوا للتعدي بالضرب واصيبوا، لكنهم فعلوا ما فعلته رفضوا تحرير محضر حتى يلتزموا بآداب المهنة؛ وإن ظل السؤال الى متى يترك المريض النفسي دون رعاية خاصة أن رفض الاهل علاجه داخل مستشفى خوفًا من وصمة العار رغم ان المرض ليس عارًا؟!

ماهي الأمراض النفسية التى يصاحبها العنف؟

العنف فى الأمراض النفسية موجود ولكنه قليل، وعندما يحدث يكون بصورة غير متوقعة، ويكون العنف لدي المرضى الذين يعانون من الاكتئاب الشديد أو الفصام او مرضى الادمان والاضطرابات الشخصية وهذا ما يخص الرجال، أما السيدات يكون بصورة مختلفة ويكون لدى المريضة بالهستيريا والتى تعاني من اضطراب وجدانى «ثنائي القطب» ويكون هنا ادعاء التحرش أو الاتهامات بالتعدي الجنسي وغيرها وهي أخطر للطبيب لانها تمس سمعته؛ فحدث مع زملائنا  ان طلبت المريضة الحديث معه بمفردها، وعندما خرجت المرافقة لها من غرفة الكشف بدأت المريضة فى الصراخ والادعاءات وكان ذلك داخل عيادته.. ولا يوجد هنا أي نوع من التعاطف مع الطبيب المعالج، وفى حالة اثبات العكس سيكون معناه فضح اسرار المريض.

من يحمي الاطباء النفسيين من مخاطر عملهم؟

للأسف لا يوجد قانون لحماية الطبيب النفسي من المخاطر التى يواجهها خلال عمله، لهذا يتجه بعض الأطباء النفسيين للتأمين الشخصى على حياتهم، وهنا يواجه اهم العقبات الموجودة فى شركات التأمين، وهو إثبات الواقعة، فلابد من اثبات الواقعة بمحضر رسمي وهذا صعب وخصوصًا أن من ادبيات مهنة الطب النفسي عدم الإفصاح عما يحدث داخل جلسة العلاج مع المريض مهما كانت المخاطر التى تعرض لها الطبيب، ولكن العمل فى تلك الظروف صعب للغاية؛ فلابد من توفير طرق السلامة للطبيب للعمل فى بيئة مطمئنة.

لذلك اقترح أن يكون هناك قانون لحماية الاطباء النفسيين يساعدهم على العمل دون الخوف من تلك المخاطر التى يواجهونها خلال عملهم، وأن تعدل شركات التأمين من نظامها خاص والاكتفاء بالتقرير الطبي الذى يوضح اصابات الطبيب والتاريخ المرضي للمريض بالإضافة لشهادة أهل المريض على ملابسات الحادث دون الحاجة لمحضر رسمي قد يعرض المريض للمساءلة أو ما شابه.

هل هناك حجز إلزامى للمرضى النفسيين الذين يشكلون خطرًا على حياتهم؟!

نعم الطبيب النفسي يمتلك القدرة على الحجز الإلزمى للمريض ولكن احيانا يخرج المريض من المستشفى بعد ايام ويدخل الطبيب فى مشكلات مع أسرته إن كانت رافضة للحجز أو علاجه داخل المستشفى وهنا نعود لنقطة الخوف من وصمة العار المزعومة التى قد تلاحق أسرة المريض النفسي.

اقرأ  أيضا : إمام عاشور: بروح لطبيب نفسي بسبب العصبية

;