«الاحتباس الحراري» انتهاك لحقوق الإنسان..

خبراء: «المحكمة الأوروبية» تمنح «التمويل المناخي» دفعة قانونية

أعضاء منظمة «كبار النساء السويسريات من أجل حماية المناخ» بعد إعلان قرار المحكمة
أعضاء منظمة «كبار النساء السويسريات من أجل حماية المناخ» بعد إعلان قرار المحكمة

ليس جديدا حصول قضية «الاحتباس الحرارى» على دفعة قانونية تدعم الاتجاه العالمى لوضع حد لهذه المشكلة التى تهدد مستقبل الكرة الأرضية، لكن الجديد الذى حدث الأسبوع الماضى، هو صدور قرار من محكمة دولية.

اعتبرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، ومقرها ستراسبورغ، فشل سويسرا فى القيام بما يكفى لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة على المستوى الوطنى انتهاكا واضحا لحقوق الإنسان أضر بمجموعة تضم أكثر من 2000 امرأة سويسرية مسنة هم أعضاء منظمة «كبار النساء السويسريات من أجل حماية المناخ».

اقرأ أيضًا| فى ليلة «انتقام المُسيَّرات» ..حرب «الدرونز» بالشرق الأوسط لن تتوقف

وتضاعف خلال الفترة الأخيرة عدد القضايا المعروضة على المحاكم المرتبطة بتغير المناخ، وفقا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة ومركز سابين لقانون تغير المناخ بجامعة كولومبيا.

وقال مركز سابين فى تقريره السنوى إن أكثر من 2500 قضية تم رفعها فى جميع أنحاء العالم حتى منتصف ديسمبر الماضى، منها أكثر من 1600 قضية فى الولايات المتحدة.

ومن بين القضايا فى جميع أنحاء العالم، كانت هناك 135 قضية فى البلدان النامية، بما فى ذلك ما يسمى بالدول الجزرية الصغيرة النامية، وهى دول نائية تعد أراضيها من بين أكثر البلدان عرضة للخطر من تغير المناخ.

ويكتسب الحكم الأخير من «المحكمة الأوروبية» قيمة خاصة، لكونها محكمة متخصصة فى حقوق الإنسان، فضلا عن أنها المرة الأولى التى تحكم فيها المحكمة، المسئولة عن تفسير الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، فى مسألة تتعلق بتغير المناخ.

وتقول باترشيا نابوكولو، عضو فى تحالف الشباب من أجل تمويل الخسائر والأضرار المناخية فى تصريحات خاصة لـ «الأخبار»: «هذا الحكم التاريخى، وإن كان يتعلق بدولة أوروبية، إلا أنه يمكن الاستفادة منه لدعم مطالب الدول النامية فى قضية التمويل المناخى، إذ يمكن توظيفه لتحقيق ما يسمى بـ (جودة التمويل)».

وكان 70 فى المائة من التمويل الذى قدمته فى السابق الدول المتقدمة للدول النامية بشأن «التكيف مع تبعات الظواهر المناخية»، على شكل القروض، لأنها لا تزال تضعه فى مربع «المساعدات»، لكن الحكم الأخير للمحكمة الأوروبية المتخصصة فى حقوق الإنسان، ينقل القضية إلى خانة «الحقوق»، وهذه دفعة قانونية مهمة، يمكن استغلالها فى التفاوض خلال قمم المناخ الدولية، كما توضح نابوكولو .

ووصفت المحكمة الأوروبية فى حكمها، موجات الحر المتكررة والمكثفة بشكل متزايد الناجمة عن تغير المناخ، بأنها تشكل تهديدا حقيقيا وخطيرا على صحة النساء المسنات وحياتهن الخاصة والعائلية، ووضعت فى حكمها متطلبات محددة يجب على سويسرا الوفاء بها لمعالجة المشكلة.

وتضيف نابوكولو: «الأضرار التى اعترفت بها المحكمة ليست خاصة بسويسرا وحدها، فعدم التزام سويسرا وغيرها من الدول المتقدمة باتخاذ اجراءات للحد من الاحتباس الحرارى، سيكون له تأثيرات أكبر على بعض الدول النامية، حيث يؤدى لإغراق مدن، وتدمير منازل، وليس من العدل أن تكون مسئولا عن تدمير منزلى، ثم تتفضل على بمنحى قرضا لإصلاحه، لأن إصلاحك لمنزلى هو حق، وليس منحة».

خطوة نحو تعهدات ملزمة 
ومع اعترافه بأهمية «التمويل المناخى»، إلا أن الدكتور مجدى علام، الأمين العام لاتحاد خبراء البيئة العرب، ومستشار مرفق البيئة الدولى، ينظر لتبعات الحكم التاريخى للمحكمة الأوروبية نظرة أوسع وأشمل، إذ يعتبره خطوة هامة قد تقود إلى إقرار تعهدات ملزمة بشأن انقاذ كوكب الأرض من مصير كارثى يتجه إليه.

ويقول علام فى تصريحات خاصة لـ «الأخبار» إنه «وفقا لاتفاقية باريس للمناخ، يجب ألا تتجاوز درجة حرارة الأرض 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية بحلول 2030، ولكن الواقع يشير إلى أننا سنتجاوز هذا الرقم، لنصل فى 2050 إلى عتبة (اللاعودة)، وهى 2 درجة مئوية، والتى لن تجدى حينها أى إجراءات يتم اتخاذها للسيطرة على الارتفاع فى درجات الحرارة».

وحدد قرار المحكمة الأوروبية الحد الأدنى من معايير الحوكمة التى ينبغى لسويسرا أن توليها «الاعتبار الواجب» لتحقيق هدف اتفاقية باريس، مثل وضع ميزانيات الكربون والأهداف المؤقتة، وتحديثها واستنادها إلى أفضل الأدلة المتاحة، والتحلى بالشفافية بشأن مدى نجاح تحقيقها، لكن القرار الذى أصدرته اللجنة المكونة من 17 قاضيا، لم يحدد بالضبط ما يجب عليها فعله لمعالجة المشكلة.

ويوضح علام: «نعلم أن قرار المحكمة ليس ملزما للدول، لكنه يوفر سندا قانونيا يمكن أن يتم استخدامه لدعم مطالب إنقاذ كوكب الأرض من مصير غامض ينتظرها بحلول 2050، ولن يتحقق ذلك، إلا بإقرار التزام زمنى واضح بالتخلص التدريجى من الوقود الأحفورى».

وصدر قرار المحكمة بشبه إجماع قضاتها السبعة عشر، المنتمين للعديد من البلدان المختلفة، والقادمين من وجهات نظر وخلفيات قانونية مختلفة، وكان الرأى المخالف الوحيد هو القاضى البريطانى تيم إيكى، الذى قال إن بقية أعضاء المحكمة «حاولوا الركض قبل أن يتمكنوا من المشى» و»تجاوزوا ما هو مشروع».

ردود فعل محبطة
ولم يكن موقف القاضى البريطانى تيم إيكى، هو الوحيد المحبط، فى ردود الأفعال على هذا الحكم التاريخى، حيث اتهم حزب الشعب السويسرى اليمينى المحكمة بالتجاوز ودعا سويسرا إلى مغادرة مجلس أوروبا.

وأظهر بعض السياسيين ووسائل الإعلام اليمينية فى المملكة المتحدة رد فعل عنيفا مماثلا، حيث كتبت وزيرة الطاقة، كلير كوتينيو، على موقع ( X )، أنها تشعر بالقلق إزاء القرار. 

وقالت إن: «الطريقة التى نتعامل بها مع تغير المناخ تؤثر على اقتصادنا والطاقة وأمننا القومى، والسياسيون المنتخبون هم الأفضل لاتخاذ تلك القرارات».
ويعلق علام على هذه المواقف السلبية قائلا: « لم نصل بعد للجدية الكافية للتعامل مع مشكلة وجودية تهدد كوكب الأرض، ونأمل ان يساعد قرار المحكمة فى ذلك» .